تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد الوحدة مع مصر عام 1958م، سافر عام 1959م مع وفد من العلماء والنواب بلغوا خمسين عالماً إلى مصر، والتقوا مع الوزير كمال الدين حسين، يشتكون من الفساد وسوء الأوضاع في سورية أثناء الوحدة والمنكرات التي عمت البلد، ويدافعون عن الدين ويطالبون بالإصلاح.

ودُعي في نفس السنة لحضور اجتماع للجمعيَّة العموميَّة لمحكمة النقض في مصر، بعد دمج محكمتي النَّقض في سورية ومصر في محكمة واحدة في القاهرة، فسافر مع عائلته ومكث فيها أكثر من شهر. وكانت له كلمة في نادي القضاة فعرفه الناس بعدها. وفي هذه الزِّيارة جدَّد العهد بالمطبعة السلفيَّة ومجلة الرِّسالة، وكان ذلك آخر عهده بمصر.

وجمع العلماء عام 1959م بناء على مبادرة من الشيخ أمجد الزهاوي الذي جاء ومعه الشيخ محمد محمود الصواف، وتمخض اجتماعهم عن توقيع الميثاق الإسلامي.

في شتاء 1959م كان رحمه الله يكتب سيرة الإمام النووي ضمن مجموعة أعلام التاريخ التي أصدرها في تلك السنة، وكان المطر قد انقطع لسنواتٍ والناس في جدب وجفاف. وجاء في سيرة الإمام النووي أن المطر انقطع سنواتٍ في أيامه فدعى الإمامُ إلى إحياء سُنَّة صلاة الاستسقاء وكتب بذلك إلى الملك الظاهر، وخرج الناس سنة 668هـ يستسقون فسقاهم الله ونزل المطر.

وكان لعلي الطنطاوي يومئذٍ حديث أسبوعيٌّ في الإذاعة بعد صلاة الجمعة، فدعا فيه إلى إحياء سنّة الاستسقاء التي تُركت ونُسيت في الشام من أكثر من مئة سنة. ثم دعا الناس في حديث أول شتاء عام 1960م إلى الاستسقاء وحثهم على التوبة الاستغفار، ودعا الخطباء أن يحُثُّوا الناس في خطبة الجمعة القادمة على الخروج للاستسقاء، ودعا الناس أن يصوموا ثلاثة أيام قبل الجمعة التي تليها، ثم يخرجوا صباح يوم الجمعة إلى سفح جبل قاسيون يستسقون ويتضرّعون إلى الله أن يسقيهم الغيث ولا يجعلهم من القانطين. ثم أتاهم بأحكام صلاة الاستسقاء على جميع المذاهب، ووفقه الله أن تصدر الدعوة للاستسقاء من رئيس رابطة العلماء؛ الشيخ أبي الخير الميداني، ونائبه السيد مكي الكتاني. واحتشد الناس في سفح الجبل في تلك الجمعة، وتوجهوا إلى الله بقلوب خاشعة، وصلّوا صلاة الاستسقاء، ثم خطب فيهم رحمه الله وتكلم بعده السيد مكي الكتاني، وحفَّت الجموع المحتشدة نفحة من نفحات الله، وملأت قلوبهم مشاعر الإيمان، وارتفعت أصواتهم بالدعاء والبكاء وكان يوماً مشهوداً. وما هي إلا أيامٌ معدوداتٌ حتى نزل الغيث فأحيا البلاد والعِباد.

وفي أحد لقاءات المشايخ والشباب في عام 1960م اقترح علي الطنطاوي إقامة أسبوع ثقافي، يخطبون فيه يُعرِّفون بالدين ويدعون الناس إلى الخير، واتفقوا أن يبدؤوا ذلك في جامع تنكز في وسط البلد، ثم ينتقلون كل أسبوع من مسجد إلى آخر. وافتتح اللقاء السيد مكي الكتاني نائب رئيس رابطة العلماء، ثم ألقى علي الطنطاوي المحاضرة الأولى، وكانت حديثاً طويلاً مُزلزلاً حمل فيه على المفسدين، فاهتزت دمشق بأسرها لهذه الكلمة، وصارت حديث الناس في كل مكان.

في عام 1961م كان الانفصال، وحديث الانفصال طويل، لكنه كان بعد تضييق على الشام وأهلها، تضييق في الدِّين وفي الحُرية وفي المال، ففرح الناس بالخلاص من هذه وليست الوحدة هي التي أرادوا الخلاص منها، وما كانوا ليكرهوا الوحدة ولا ليفرّطوا فيها. في سنوات الوحدة فرضت الاشتراكيَّة وحُورِب الدين، وأُبيح الاختلاط بين الشباب وكُشفت العورات، وحورب أصحاب الأملاك والصناعات التي بنَوها بجُهدِهم وكانت كسباً للبلاد، فسلبت منهم أموالهم ودُمرت صناعاتهم وكل ذلك باسم الاشتراكية، وسلبت من الناس حريتهم وبُثَّ الجواسيس في كل مكان ليحصوا عليهم كلماتهم وحركاتهم وسكناتهم. كان بباب علي الطنطاوي جاسوس من هؤلاء يتبعه أينما ذهب، فكان رحمه الله يمشي به ساعاتٍ في يوم جمعة لا عمل له فيه وكان بطبعه يحب المشي. وكانوا يستجوبون الذين يحضرون مجالسه. فلما كان الانفصال فرح الناس به كأنما خرجوا من سجن. وطلب القائمون عليه من علي الطنطاوي أن يخطب الجمعة في المسجد الأموي لتذاع الخطبة من الإذاعة، ولكنه لم يكن قد عرف هويتهم وخشي أن يكونوا بعثيين أو شيوعيين أو فاسدين، فاعتذر عنها، ثم عادوا فطلبوا منه أن يلقي كلمة في الإذاعة وكان قد عرف أسماء القائمين على الانفصال فقبل. وألقى كلمة في الإذاعة كانت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير