تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حديث البلد، وألقى بعدها خطبة الجمعة وأذيعت من جامع التوبة وأحدثت أيضاً ضجَّة كبيرة. بعد الخطبة بعشرة أيام نشرت إحدى الصحف الناصرية في صفحتها الأولى خبراً بالخطِّ العريض: "ذبح الشيخ الطنطاوي في داره"، ثمَّ جاؤوا بتفاصيل عن عملية القتل كيف نُفِّذت، ووصفوا الطعنات التي أصابته، ونقلت ذلك صحف أخرى وتحدث الناس بهذا وبكاه ونعاه الكثيرون. بعد انتشار خبر موته عرضوا عليه أن يظهر بالرَّائي ليكذب الخبر، فتردد في الموافقة خشية أن يدعو ذلك الناس إلى اقتناء الرائي ويكون منه ضرر عليهم فيأثم بذلك، ثم ألحُّوا عليه ورأى نفعاً بهذا فوافق، لكنه اشترط ألا يرى في طريقه امرأة سافرة، فحبسوا البنات في الغرف وأغلقوا عليهنَّ، وكانت تلك هي المرة الأولى التي ظهر فيها في الرَّائي وتحدَّث فيه، فكانت تجربة جديدة عليه بعد تاريخ طويل في الحديث الإذاعي والخطابة، فتصور نفسه في مجلس يتحدث فيه وألقى كلمة ارتجلها. تكلم فيها عن الحادثة وجعلها موعظة لطيفة ذكَّر الناس فيها بالله والآخرة.

إلى مكة المكرمة:

في سنة 1281هـ (1962م) اصطحب رحمه الله عائلته إلى الحج، وفي هذه الرحلة كان الاجتماع الذي انبثقت عنه رابطة العالم الإسلامي، وكان هو من الهيئة التأسيسيَّة، لكنه عاد فاعتذر عنها كما هي عادته.

في تلك السنة كاد أن ينتقل إلى مكة أستاذاً في كلية الشريعة، وكان الشيخ الصواف بعد استقراره هناك يلحُّ عليه بذلك منذ مدة، ووافق وجاءته الأوراق الرسمية واكتملت المعاملات ولم يبقَ إلا أن يستلم التذكرة، وإذا به يعتذر لوكيل وزارة المعارف الذي قدم الشام ويعدل عن السفر، ويعود إلى المحكمة من جديد.

في السنة التالية 1963م قدّر الله له أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية ويقيم فيها ستّاً وثلاثين سنة حتى توفاه الله، لكنه سافر إلى الرياض في تلك السنة بدلاً من مكة المكرمة، أستاذاً في الكليات والمعاهد التي صارت فيما بعد جامعة الرياض، وانضم إليه بعد ذلك أخوه ناجي مستشاراً في وزارة الأوقاف فسكنا معاً في بيتٍ واحد، وذات ليلة عاد إليه مرضه القديم فأصابته نوبة ألم الكلى، وحملوه إلى المستشفى المركزي وهو يتلوَّى من الألم، وقرروا له عملية جراحية فآثر أن يعملها في الشام بين أهله. وسافر إلى الشام ودخل مستشفى المواساة، وكان في المستشفى أيضاً في مبنى آخر أخوه عبد الغني الذي انهار جدار على ساقه فهشَّمها وأجريت له عملية جراحية، وكان فيها أيضاً رفيقه أنور العطار في غرفة بجوار غرفته لكن كلاهما لا يقدر على الانتقال ليرى صاحبه. وانتهى العام الدراسي وقرَّر عدم تجديد عقده والعودة إلى الشام، لِما أصابه من المرض ولِما كان فيه من الوحدة بعيداً عن أهله.

وفي صيف ذلك العام جاءه عرض جديد، أن يذهب إلى مكة المكرمة، فقبل بلا تردُّد. واتفق مع الشيخ مصطفى السِّباعي أن يسافرا معاً، ولكن في يوم السفر جاءه خبر وفاة الشيخ مصطفى رحمه الله.

وجاء مكة عام 1384هـ (1964م) أستاذاً في كلية التربية، وسكن عمارة الكعكي في أجياد، وأعانه إخوة كرام على تدبير سكنه ومعاشه، ودرَّس في كلية التربية مادة الثقافة الإسلامية التي كان أول من درسها عندما بدأ تدريسها في سورية. ودرس الطلاب الإنشاء وعلمهم فيه أشياء جديدة في أوقات إضافية على الدرس الأصلي. واستمر يدرّس الطلاب على طريقته التي لزمها دائماً، يزرع حبَّ العلم في نفوسهم بعد زرع الإيمان، ويعرِّفهم كتب العلم، ويعلمهم كيف يراجعون المسائل.

وكان يمر بالثانوية في طريقه إلى الكلية في العزيزية وكان له فيها لقاءات، كذلك كان يمر على إدارة مجلة الحج قرب داره ويستمتع بمجلس رئيس تحريرها الأستاذ سعيد العمودي، الذي ذكره بمجلس خاله محب الدين الخطيب في المطبعة السلفية في مصر.

ثم كُلِّف رحمه الله ببرنامج التوعية الإسلامية، يطوف على الجامعات والمعاهد والمدارس في أنحاء المملكة، يلقي الدروس والمحاضرات.

وفي عام 1966م أُقيل من القضاء في سورية، وكان ذلك خاتمة مسيرة طويلة في القضاء دامت

رُبع قرنٍ من الزمان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير