تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وما زال يبحث ويراجع المسائل حتى آخر أيامه. واجتمعت له ثروة فقهية متميزة في مسألتين هما فقه الحجِّ وفقه المرأة المسلمة، وكان لديه حلم كتابين فيهما؛ أحدهما اسمه دليل الحجِّ والآخر دليل المرأة المسلمة. وفي كل مرَّة ساعدناه في ترتيب أوراقه كان بينها مُغلَّفان كبيران، كتب على أحدهما بالخطِّ الأسود العريض دليل الحج والآخر دليل المرأة المسلمة.

لكن الله لم يكتب للكتابين أن يتمَّا، والقصاصات التي يحتويها الظَّرفان هي رؤوس أقلام لكلام بقي في ذهنه ولا يستطيع أحد استخراجه من هذه القُصاصات.

كيف كان يرتب الشيخ الطنطاوي رحمه الله أوقاته وأعماله؟

يختلف هذا الأمر باختلاف مراحل حياته، لكنه بالجملة كان رحمه الله يعرف أولوياته ولا يجامل في وقته أبداً، فهو يعيش في الأضواء من أيام شبابه، وقد تعوَّد أن يحمل الكثير؛ يعمل لِيُعيل أسرته بعد وفاة أبيه، ويقرأ ويدرس ويشتغل بالعلم والأدب الذي هو بِضاعته ورأس ماله، ويعمل بالدعوة والعمل العام وقضايا الأمة، لكن لكل شيء وقته وحسابه، وعند الضرورة يترك ما لا يستطيعه. في أيام دراسته كان يمضي السنة كلها في كل ذلك فإذا اقترب الامتحان اعتزل الناس شهراً حتى يُنجز امتحانه. وعندما اضطر للعمل بالتدريس في القُرى، ترك نشاطات كثيرة وانتقل إلى مكان عمله وأعطاه كل جهده. وفي القضاء أغلق باب المُجاملات في المحكمة فلا يستقبل زائراً يمر عليه للتسلية ولا يفتح الباب إلا لصاحب قضيَّة. ومنذ وعيت عليه لا يستقبل أحداً إلا بموعدٍ مُسبق وعندما يقدر على ذلك، ويقول صراحة أن وقته هو رأس ماله الذي يعمل فيه، ولو فتح الباب لكل زائر لما اشتغل بعلمٍ ولما كتب صفحة، وكان لحياته برنامج يوميٌّ منتظم قلَّما يختل.

وعندما كَبُر وشاخ وضعفت همَّته عن العمل الكثير صار لديه من الوقت ما يستقبل فيه الإخوان والمُحبِّين.

الشيخ علي رحمه الله كان يقول: ولا تخشوا قول الناس ما دمتم لم ترتكبوا محرماً ولا ممنوعاً شرعياً. هل تتذكر موقفاً حصل للشيخ يتحدث عن هذا الموضوع؟

كل حياته رحمه الله تنطِق بذلك. يراقب رضا الله ولا يكترث كثيراً برضا الناس. في كل مرحلة من حياته يوجد له موقف فعل فيه ما رآه صواباً وابتغى به رضا الله، ولم يبالِ بكلام الناس وسخطهم، وكثيراً ما وجد نفسه تحت وابلٍ من سِهام الناس لأنه خالف بموقفه ما ألفوه وتعوَّدوه. رسائله المُبكرة أثارت عليه الشيوخ الجامدين، ورسائله اللاحقة أثارت عليه الشباب الجاحدين، وأُلِّفت رسائل للردّ عليه ثم عاد الذي ردَّ عليه فبرأه مما اتَّهمه به. وكم مرة نُقِل من مكانٍ إلى آخر تأديباً له على كلمة حقٍّ قالها، وكم معركة خاضها لموقفٍ حقٍّ ثبت عليه أمام حملات شديدة شُنَّت عليه، كقضيَّة معركة مجلة الرِّسالة حول قصص القرآن، وموقفه في قصة رقصة السَّماح وأمر الانفصال وكثير غيرها.

لِمَ ترك الشيخ علي بلاده؟ وهل عاد لها بعد أن تركها لأرض يحبّها رسول الله؟

أحب الشيخ دمشق وأحب قاسيون كثيراً، وكتب عن دمشق وكتب عن قاسيون كما لم يكتب أحد عن بلده، وله كتاب كامل عن دمشق. وما خرج منها مرة إلا لأجَل وهو ينتظر العودة إليها، وما ابتعد عنها إلا لمَّا حِيل بينه وبينها. لكنه كثيراً ما قال أن دمشق التي تسكن في قلبه ليست أكرمَ من مكَّة المُكرَّمة التي كرَّمها الله، وقاسيون الذي أحبه ليس أكرم من جبل أحُدٍ الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان راضياً سعيداً بمقامه في مكة، وكان هذا له عزاء عن فِراق الشام.

علاقة الطنطاوي مع أنور العطّار. ورفاقه المقرّبون.

بالرَّغم من شهرة علي الطنطاوي ومعرفته الكثيرين، لكن أصحابه المُقربين لم يكونوا كُثُر. وأحدهم كان أنور العطار، الذي وصفه رحمه الله بأنه رفيق العمر وشقيق الرُّوح. فهو أحد رِفاق عمره المعدودين.

كان يقيم في حارة السمَّانية في طرف حي العقيبة الذي وُلِد ونشأ فيه علي الطنطاوي في حارة أخرى هي الديمجية وثالثتهما كانت حارة تحت المئذنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير