تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال (38): "وهنا أيضاً نجد أنفسنا أمام خلط ومغالطة وشدّ وعصر للمعطيات والحقائق، فالفعل المزيد (كاتَبَ) مثلاً إذا حذفنا منه الألف المزيدة –حسب رأيهم- نحصل على الفعل (كتب)، وهو مغايرٌ تماماً في معناه للفعل (كاتَبَ)، وفي كلّ الأحوال فإنّه لا يمكننا إسقاط أيّ من الحروف في الأفعال، سواء كانت مجردة أم مزيدة، لأنّه لا ترادف في مفردات اللغة" كذا قال، وفيه تخليطٌ عجيب وتجنّ على النحويّين، وعدم استبانة مقاصدهم من درس الزائد والأصليّ من الحروف، وهي تتبّع القيم التعبيريّة للحروف الزوائد في بنية الكلمة، فهم من خلال هذا الدرس تتبعوا مثلاً معاني الأبنية في العربيّة، بعد أن تهدّوا إلى الأصل العام الذي تنتظم تحته حروف الزيادة، وهو أنّ كلّ زيادة في المبنى تستدعي زيادة في المعنى، فـ استغفر ليس بمعنى غفر، وكسب ليس مرادفاً لـ اكتسب، وقاتل يختلف عن قتل، وكسَّر لا يساوي كَسَر .. وأوّل درجات هذه المعرفة هي تبيّن الزائد من الأصلي، وإلاّ فكيف ندرس معاني حروف الزيادة إن كان المؤلّف لا يريد أن نفرّق بين الزائد والأصلي، ولا أظنّ أحداً يخفى عليه أنّ الاشتقاق في العربيّة، وهو أظهر سمة في بنيتها الداخليّة يقوم على معرفة الزائد والأصلي.

أما ما فهمه من صنع النحاة فلا يرضى به مبتدئ، والمغالطة بيّنة في كلامه حين استعمل عبارة (حذف) و (إسقاط) و (ترادف) فالنحاة لم يسقطوا شيئاً ولا ادّعوا حذف شيء، وهم الذين فرّقوا بين كسب واكتسب، فأين الترادف؟، وهم مدركون كلّ الإدراك لطبيعة العربيّة التي تقوم بنية ألفاظها على ما يسمّى الأصل اللغوي أو الجذر، وهذا الأصل أشبه ما يكون بجذع الشجرة، وحروف الزيادة إنّما هي فروعٌ تعلو على الجذع وتتصل به، فقولنا (ك ت ب) هو الأصل، وبمعرفة حروف الزيادة استطاع متكلمو العربيّة أن يشتقوا نحو: كاتب- مكتوب- كتاب- كتيّب- استكتب- مكتب- مكاتبة ...

والمؤلف يسمّي، بلا تردّد، معرفة هذا "خلط، ومغالطة، وشدّ، وعصر للمعطيات والحقائق" ويريدنا ألاّ نبصر شيئاً من هذه الحركة الداخليّة لبنية الكلمة‍‍!! فهل بعد هذا الجهل جهل!!!؟

4 - أفعال جامدة!!

أبدى المؤلف استغرابه وعجبه من وصف بعض الأفعال كـ بئس ونعم بالجمود، وكذا ليس وعسى، منكراً أن تكون هاتان الكلمتان من الأفعال الجامدة (39).

أقول: ليس هناك ما يدعو إلى كلّ هذا الاستغراب والعجب، فالمسألة خاض فيها النحاة كثيراً قبل أن ينتبه عليها بألف سنة على الأقل، وانقسموا فيها بين مؤيّد لفعليّة هذه الألفاظ ومنكرٍ لها. ولنا أن نأخذ من كلامهم ما نظنّه أقرب إلى منطق اللغة ونطَّرِح ما سواه، ولنا أيضاً أن نجتهد بلا استغراب ولا عجب، لأنّ هذه الألفاظ انتهت إلينا على ما يبدو من مرحلة ما مرّت بها اللغة، ولا ندري متى وكيف جمدت على ما هي عليه، ولعلّ في دراسة أخوات العربيّة ما يضيء لنا جوانب من حياة هذه الألفاظ.

5 - أسماء الأفعال وَهْمٌ، ونَصْبُها للمفعول وَهْمٌ آخر:

قال (40): "تخيّل أن الأسماء تقوم مقام الأفعال، فتعمل عملها وتأخذ فاعلاً ومفعولاً به، كقولنا دونك القلم .. فعندما وجدوا أنّ (القلم) منصوباً [كذا!!] لم يجدوا حلاًّ سوى اعتبار (دونك) اسم فعل بمعنى (خُذْ) .. وهكذا عادت التخريجات وعادت حركة الكلمة (الفتحة في القلم) لتسيطر على الفهم وعلى المفهوم، ولتجعلنا نتخبط في مستنقع من التناقض والمغالطة، فنُوجِد ما لا يوجد، ونبتكر ما لا يُعرف .. ".

كذا قال، والحق أنّه ليس هناك ما يدعونا إلى التخيّل والعجب، وليس في الأمر مستنقعٌ نتخبّط به كالذي يتخبط فيه، بل ثمّة حقيقة لغويّة استقرّت عليها العربيّة في أنماط تعبيرها وبيان وظائف الكلم فيها، وهي أنّ الاسم إذا تضمّن معنى الحدث اشتدّ شبهه بالفعل وعمل عمله، وما سمّاه النحاة (أسماء أفعال) هو في الحقيقة طائفة من الألفاظ غير المتصرّفة تجاذبتها خصائص الأفعال والأسماء معاً، لكنّها إلى الأفعال أقرب، لأنّها تؤدّي ما تؤدّيه الأفعال من معانٍ وتعمل عملها، فعاملتها العرب معاملة الفعل في رفع الفاعل ونصب المفعول، وجزم المضارع بعدها في جواب الطلب، وعدم إضافتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير