وقال الكوفيون: مصدر لأن معنى هلم جر.
وقيل انتصب على التمييز.
وأول من قاله: عابد بن زيد، قال:
وإن جاوزت مقفرة رمت بي ... إلى أخرى كتلك هلم جرا
قال بن هشام: وبعد فعندي توقف في كون هذا التركيب عربيا محضا، والذي رابني منه أمور:
الاول: أن إجماع النحويين واللغويين منعقد على أن لهلم معنيين:
أحدهما: "تعال" فتكون قاصرة كقوله تعالى: " هلم إلينا " أي تعالوا إلينا.
والآخر: "أحضر" فتكون متعدية كقوله تعالى: " هلم شهداءكم " أي أحضروهم.
ولا مساغ لاحد المعنيين هنا.
الثاني: أن إجماعهم منعقد على أن فيها لغتين:
- حجازية وهي التزام استتارهاضميرها فتكون اسم فعل.
- وتميمية وهي أن يتصل بها ضمائر الرفع البارزة فتكون فعلا.
ولا نعرف لها موضعا أجمعوا فيه على التزام كونها سام فعل ولم يقل أحد أنه سمع هلما جرا ولا هلموا جرا ولا هلمي جرا.
الثالث: أن تخالف الجملتين المتعاطفتين بالطلب والخبر ممتنع أو ضعيف وهو لازم هنا إذا قلت كان ذلك عام أول وهلم جرا.
الرابع: أن أئمة اللغة المعتمد عليهم لم يتعرضوا لهذا التركيب حتى صاحب المحكم مع كثرة استيعابه وتتبعه وإنما ذكره صاحب الصحاح.
وقد قال أبو عمرو بن الصلاح في شرح مشكلات الوسيط أنه لا يقبل ما تفرد به وكان ذلك على ما ذكره في أول كتابه من انه ينقل عن العرب الذين سمع منهم فإن زمانه كانت اللغة فيه قد فسدت.
واما صاحب العباب فإنه قلد صاحب الصحاح فنسخ كلامه.
وأما بن الانباري فليس كتابه موضوعا لتفسير الالفاظ المسموعة من العرب بل وضعه للكلام على ما يجري في محاورات الناس وقد يكون تفسيره على تقدير أن يكون عربيا فإنه لم يصرح بأنه عربي.
ولذلك لا أعلم أحدا من النحاة تكلم عليها غيره.
ولخص أبو حيان أشياء من كلامه فوهم فيه لانه ذكر أن الكوفيين قالوا: إن "جرا " مصدر.
والبصريين قالوا إنه حال.
وهذا يقتضي أن الفريقين تكلموا في إعراب ذلك وليس كذلك وإنما قال بن الانباري إن قياس إعرابه على قواعد البصريين أن يقال إنه حال.
وعلى قواعد الكوفيين أن يقال إنه مصدر.
هذا معنى كلامه وهذا هو الذي فهمه أبو القاسم الزجاجي ورد عليه فقال: البصريون لا يوجبون في نحو ركضا من قولك جاء زيد ركضا أن يكون مفعولا مطلقا بل يجيزون أن يكون التقدير جاء زيد يركض ركضا، فكذلك يجوز على قياس قولهم ان يكون التقدير: " هلم يجر جرا "انتهى.
ثم قول بن الانباري معناه: سيروا على هيئتكم إلى آخره معترض من وجهين:
أحدهما: أن فيه إثبات معنى لهلم لم يثبته لها أحد.
والثاني: أن هذا التفسير لا ينطبق على المراد بهذا التركيب فإنه إنما يراد به استمرار ما ذكر قبله من الحكم.
فلهذا قال صاحب الصحاح: " وهلم جرا إلى اليوم ".
ثم قال بن هشام والذي ظهر لنا في توجيه هذا الكلام بتقدير كونه عربيا أن هلم هذه هي القاصرة التي بمعنى ائت وتعال إلا أن فيها تجويزين:
أحدهما: أنه ليس المراد بالاتيان هنا المجئ الحسي بل الاستمرار على الشئ والمداومة عليه كما تقول امش على هذا الامر وسر على هذا المنوال.
والثاني: انه ليس المراد الطلب حقيقة وانما المراد الخبر وعبر عنه بصيغة الطلب كما في (فليمدد له الرحمن مدا).
وجرا مصدر جره يجره إذا سحبه.
ولكن ليس المراد الجر الحسي بل المراد التعميم كما استعمل السحب بهذا المعنى في قولهم هذا الحكم منسحب على كذا أي شامل له.
فإذا قيل كان ذلك عام كذا وهلم جرا؛ فكأنه قيل واستمر ذلك في بقية الاعوام استمرارا فهو مصدر أو استمر مستمرا فهو حال مؤكدة وذلك ماش في جميع الصور، وهذا هو الذي يفهمه الناس من هذا الكلام وبهذا التأويل ارتفع إشكال العطف فان هلم جرا حينئذ خبر وإشكال التزام إفراد الضمير إذ فاعل هلم هذه مفرد أبدا كما تقول واستمر ذلك أو واستمر ما ذكرته انتهى كلام بن هشام.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[13 - 05 - 08, 10:40 م]ـ
بارك الله فيكم
هذا الذي ذكره ابن هشام فيه نظر
فقد نقل ذلك أئمة الفن
والأزهري إمام كبير وقد نقل في التهذيب عن المنذري عن المفضل بن سلمة وهو إمام من أئمة الفن
وكذا ابن الأنباري
فتوقف ابن هشام فيه نظر
والأزهري لا يسكت في مثل هذه المواطن
فعلى هذا هو تركيب عربي محض
وكلام ابن هشام - رحمه الله -خطأ
فهو لم يقف على نقل صاحب التهذيب
وأكتفى بالصحاح ومن نقل عن الصحاح
فثبت أن التعبير عربي فصيح وتوقف ابن هشام خطأ
والله أعلم
ـ[ابن وهب]ــــــــ[13 - 05 - 08, 10:46 م]ـ
وقد ذكر ذلك العسكري ت 395 في الأمثال
هلم جرا
معناه: سيروا على هينتكم، ولا تشقوا على أنفسكم وركابكم.
وأصل الجر أن تترك الإبل والغنم ترعى وتسير، قال الراجز:
قد طال ما جررتكن جرا حتى نوى الأعجف واستمرا
فاليوم لا ألوم الركاب شرا
نوى: سمن، و " جرا " نصبٌ على المصدر، كقولهم: أقبل ركضاً.
)
¥