تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الخوف من الذئب مستقر في عقلنا الباطن، قديم قدم البشرية نفسها. فعندما كنّا في العصر الحجري القديم نحمل فؤوسنا ورماحنا الحجرية، نجوب الغابات والوهاد للقنص وصيد الثيران الوحشية. كنا نهاب الذئب ـ كان صياداً مثلنا ـ دون ان نخشاه.

فاذا حل بنا الشتاء التحفنا بفروته الدافئة. كنا وإياه متشابهين في شكل من الأشكال. فقط كانت (قطعاننا) أكبر عدداً، وقطعانه أفضل عواء. ولكن عندما بدأنا نهجر المغاور والكهوف ونبني بيوتاً ذات جدران وسقوف، نربي الماشية وندجن الحيوان ونقتلع أشجار الغابات. صار الذئب عدونا وتحول الى كائن مريب. انه يهدد حياتنا كلما مر بأحيائنا، بعد أن أفسدنا عليه بيئته وضيقنا عليه مجال عيشه، فاصبح خطراً يتسلل إلينا تحت جنح الظلام ليقتنص منا فريسته. انه كائن شرير يهدد عالمنا. عالم الحضارة والمدنية.

الخوف من الذئب مستقر في عقلنا الباطن، نخشاه على أنفسنا كما نخشاه على كل عزيز علينا.فها هو النبي يعقوب (عليه السلام) يمنع على أولاده الكبار أن يصحبوا ولده الصغير يوسف معهم (ليرتع ويلعب) قال انه يخشى عليه من الذئب. ولكن لم الذئب وحده دون غيره من الضواري؟ يقول الجاحظ:” لأن هذه السباع القوية، الاسد والنمور والببور، لاتعرض للناس إلا بعد أن تهرم فتعجز عن صيد الوحش، وان لم يكن بها جوع شديد فمر بها انسان لم تعرض له. وليس الذئب كذلك. فالذئب أشد مطالبة. فان خاف العجز عوى عواء استغاثة فتسامعت الذئاب واقبلت، فليس دون أكل ذلك الانسان شيء “.

ويعضد رأي الجاحظ هذا قول الشاعر:

والضبع العشراء مع ذيخها

شر من اللبوة والنمر

كما ترى الذئب اذا لم يطلق

صاح فجاءت رسلاً تجري

وتتضمن قصة يوسف (عليه السلام) أول تهمة موثقة يواجهها الذئب، ترميه بالكفر والغدر، الكفر لأنه عدا على نبي من انبياء الله الصالحين فافترسه. والغدر لأنه تحين الفرصة بعد أن تدبر ونظر، فرأى اخوة يوسف يتركونه عند متاعهم ليطاردوا صيدهم، فانقض على الصبي الصغير والتهمه. وشهد على فعلته عشرة من الشهود (العدول) وكلّهم مولود من صلب نبي، “ جاءوا اباءهم عشاء يكون” يتقدمهم يهوذا وبيده القميص المضرج بالدم. ويتبعه لاوي ونفتالي وجاد ودان وايسافر وأشير وشمعون ورؤبيل وزبلون:” قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين “.

وجلسوا جميعاً بين يدي يعقوب وقد ارتفعت أصواتهم بالبكاء والعويل يذرفون علي يوسف الدمع السخين ويعقوب صامت ذاهلً لايدري ما يقول. حتى اذا هدأ عويلهم وكفكوا دموعهم قال لهم أبوهم بصوت واهن“ بل سوّلت لكم أنفسكم امراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون “ وما كان وصفهم إلا افتراء وكذبا. وحسب الذئب ان الله تبارك وتعالى قد قال ببراءته من دم ابن يعقوب بعبارة صريحة واضحة ”وجاءوا على قميصه بدم كذب“ ولو لم يكن الأمر كذلك لأصبح الذئب أكثر الأشرار شراً وأقبحهم ذكراً. ولعله كذلك. فقد ذهب أحد الشعراء في تفسيره للآية الكريمة،” قل أعوذ برب الفلق من شرّ ما خلق“ الى أن محور الشر في الخلق أجمعين، الذئب والثعلب وصغار النمل. قال:

فشّرهم اكثرهم حيلة

كالذئب والثعلب والذّر

وللذئب عند العرب أسماء وأوصاف فهو السيد والسرحان والعسال وأويس. قال الهذلي:

يا ليت شعري عنك والأمر أمم

ما فعل اليوم أويس في الغنم

ويكنى أيضاً بـ (أم عامر) قال شاعرهم:

لاتعمل المعروف في غير أهله

تلاقي الذي لاقى مجير أم عامر

حسبك ما فعلت أم عامر بذاك الراعي المسكين يوم وجدها مشرفة على الهلاك تنزف دما لإصابتها بسهم في وركها. فأشفق عليها وداوى جرحها وأطعمها من لبن شياهه. حتى اذا ما تماثلت للشفاء واستردت عافيتها وثبت على احدى شياهه فأكلتها. وهذا هو طبعها الذي جبلت عليه وطريقتها المفضلة في رد الجميل حتى غدت مضربا في اللؤم والغدر. بل هي والغدر توأم كما يقول الشاعر الفرزدق عندما كان يخاطب ذئباً دنا منه في البرية يطلب القرى:

وأطلس عسّال وما كان صاحبا

دعوت بناري موهنا فأتاني

فلما أتى قلت أدن دونك إنني

وإياك في زادي لمشتركان

فبت أقد الزاد بيني وبينه

على ضوء نار مرّة ودخان وقلت له لما تكشر ضاحكا

وقائم سيفي في يدي بمكان

تعش فان عاهدتني لاتخونني

نكن مثل من ياذئب يصطحبان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير