تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 ـ حياة الخطبة:

لقد عاشت الخطبة في المصادر المغربية والمشرقية التاريخية والأدبية، كتاريخ عبد الملك بن حبيب (11)، المتوفى سنة 238 هـ/ 852م والإمامة والسياسة المنسوب لابن قتيبة (12)، المتوفى سنة 276هـ/ 889م، وسراج الملوك للطرطوشي (13)، المتوفى سنة 520هـ/ 1126م، وريحان الألباب وريعان الشباب في مراتب الآداب لأبي محمد عبد الله المواعيني الإشبيلي (14)، عاش في عصر الموحدين، ووفيات الأعيان لابن خلكان (15)، المتوفى سنة 681هـ/1282م، وتحفة الأنفس وشعار أهل الأندلس لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل (16)، وهو من أهل القرن الثامن الهجري، ونفح الطيب للمقري (17)، المتوفى سنة 1041هـ/1631م.

وقد وردت الخطبة في هذه المصادر بنصوص متشابهة حيناً ومختلفة حيناً آخر، ولكنّها نالت شهرتِها بفضل ابن خلكان الذي نقل حرفيات الخطبة عن مصدر لم يذكره، ثمَّ أخذها عنه المقري، فأورد لنا نصّاً "منقحاً ومشذباً" عما كان يتناقله المؤرخون والكُتّاب في تآليفهم ومصَنّفاتِهم خلال عَصرهِ من أخبار تتعلق بالإطار البنائي والأدبي للخطبة دون مناقشتها وتحليلها (18).

وقد اتخذنا نص "نفح الطيب" أساساً للدراسة باعتباره من أكمل النصوص التي وصلت إلينا، وإنْ كان اختلافُ النصوص في المصادر القديمة يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الخطبة قد أدخلت عليها تعديلات وإضافات من قبل الأجيال اللاحقة حتى انتهت إلى الشكل الذي هي عليه الآن.

4 ـ نص الخطبة (19):

قال: "أيّها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدوُّ أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدقُ والصبر، واعلموا أنّكم في هذه الجزيرة أضيَعُ من الأيتام، في مأدُبَة اللئام، وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته، وأقواتُهُ موفورة، وأنتم لا وَزَرَ (20) لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلاَّ ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم، وإن امتَدّت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً ذهبت ريحكم (21)، وتعوّضت القلوب من رُعبها منكم الجراءة عليكم، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بِمُناجزة (22) هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينَتُه الحصينة، وإنّ انتهاز الفُرْصَة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإنّي لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنَجْوة (23)، ولا حملتكم على خُطة أرخصُ متاع فيها النفوسُ (إلاَّ وأنا) (24) أبدأ بنفسي، واعلموا أنّكم إن صَبرتم على الأشق قليلاً، استمعتم بالأرْفَه الألذِّ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي، فما حَظّكم فيه بأوفى من حظّي، [وقد بلغكم ما أنشأتْ هذه الجزيرةُ من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمَرْجان، والحُلَل المنسوجة بالعِقْيان (25)، ا لمقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان]، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أميرُ المؤمنين من الأبطال عُرْبانا (26)، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختانا (27)، ثقةً منه بارتياحكم للطّعان (28)، واستماحكم بمُجالدة الأبطال والفُرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته، وإظهار دينه بهذه الجزيرة، وليكون مَغْنَمُها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم، والله تعالى وليُّ إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين، واعلموا أني أوّل مجيبٍ إلى ما دعوتكم إليه، وأنّي عند مُلْتَقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتِلهُ إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره، ولم يُعْوزكم بطلٌ عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكتُ قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهمَّ من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنِهم بعده يُخْذَلون".

ثانياً: تحليل الخطبة:

1 ـ عنوان الخطبة:

تُعرفُ هذه الخطبة في الكتب المدرسية باسم "خطبة طارق بن زياد" أو "خطبة طارق في الترغيب في القتال" (29)، وليس هذا العنوان جُزْءاً أصيلاً في الخطبة، وإنَّما هو عنوان وضعه لها، اجتهاداً، بعض المنتقين للتمييز بينها وبين خطب الآخرين، وهذا يعني أنَّ هؤلاء المنتقين قد أقرّوا أنَّ لطارق خطبة واحدة، ونحن لا نشاطرهم الرأي في ذلك، لأنّنا نعرف أنَّ ما وصلنا من مصادر قديمة قليل جداً، وأنَّ ما وصلنا فيها من أخبار ونصوص ليس غير جزء ضئيل مِمَّا كنا ننتظر وما زلنا ننتظر أن يأتينا يومٌ يُكشفُ فيه النقابُ عن تراثنا الدَّفين، ولعلّنا نكتشفُ عندئذٍ أنَّ لطارق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير