تنبيهات وضوابط لقراء السّّير
ـ[الرايه]ــــــــ[21 - 11 - 06, 06:23 ص]ـ
تنبيهات وضوابط لقراء السّّير
د. عمر المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد:
فإن قراءة السير والأخبار متعة لدى كثير من الناس، لما فيها من عرض للأحداث في غابر الزمان،وأخبار أمم وقرون انقرضت،وفيها من الوقوف على أخبار عقلاء الناس وتجاربهم الشيء الكثير.
ولما كانت كتب السير تجمع في طياتها أخبارا وسيرا لم تمحص،ونقولات لم تعرض على ميزان النقد العلمي ـ لأن غرض المؤلف (غالبا) هو الجمع المحض من غير نقد ولا تمحيص ـ نشأ عن ذلك وجود عدد ليس بالقليل من الأخبار المردودة شرعا،أو المواقف التي تنسب إلى أعيان من الفضلاء ـ قد يعتذر لهم عنها ـ ولكن لا يتابعون عليها؛لكون ذلك العمل اجتهاد مطروح؛ لمصادمته للنص ـ مثلاً ـ.
من هنا أحببت المشاركة بالإشارة إلى بعض الضوابط والتنبيهات التي ينبغي مراعاتها عند قراءة كتب السير والتراجم،لما يُلحظ من أخطاء في التعامل مع هذه السير والأخبار،ستتبين من خلال هذه التنبيهات والضوابط التنبه لها:
التنبيه الأول:
السير والأخبار فيها الصحيح والضعيف بل والمكذوب،وإذا كان حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أدخل فيه ما ليس منه من الضعاف والموضوعات،فما بالك بأخبار الرجال وسيرهم؟!
ولهذا فإن التثبت واجب فيما ينقل من أخبارهم، خاصة تلك التي يترتب عليها استدلال ـ وهذا فيما يتعلق بالصحابة بالذات وغيرهم على وجه العموم ـ لأن أقوال الصحابة رضي الله عنهم حجة إذا لم يُخالف أحدهم والمسألة مبحوثة في أصول الفقه،والمقصود التثبت فيما يروى من قدح أو ذم،يجب أن ينظر في ثبوته عنهم،فإن الخطأ والتحريف،والكذب فيما ينقل عمن اشتهر فضلهم،وورعهم،وصدقهم،وبلاؤهم في الإسلام ـ وعلى رأسهم الصحابة – رضوان الله عليهم ـ الخطأ والكذب على هؤلاء كثير.
ولما تكلم شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ في "الواسطية " عن منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع ما روي عن الصحابة – رضوان الله عليهم ـ،وعن الفرق بينهم وبين الرافضة،قال رحمه الله تعالى: ص (36):
" ويتبرءون من طريقة الروافض،الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم،وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقولٍ أو عمل،ويمسكون عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم،منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص، وغُيِّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون،وإما مجتهدون مخطئون " ا. هـ كلامه ـ رحمه الله تعالى ـ.
فإذا كان الكذب والخطأ فيما يروى عن الصحابة – رضوان الله عليهم ـ، فغيرهم من باب أولى، ولذلك كان مما اختص الله به أمة الإسلام من بين سائر الأمم: الإسناد،إذْ لولا الإسناد لقال في الدين من شاء أن يقول، كما قال الإمام عبد الله بن المبارك ـ فيما رواه مسلم في مقدمة صحيحه ـ بل لقد بلغ الأئمة في هذا الباب مبلغا عظيما من الاحتياط،فصاروا ينقلون أقوال أئمة الجرح والتعديل بالأسانيد،وهذا ظاهر جلي في كتاب "الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم " أو "المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان وغيرها من الكتب.
ويلحظ الناظر في كتاب الحافظ الذهبي ـ رحمه الله تعالى ـ "سير أعلام النبلاء " تطبيقا عمليا لهذا المنهج،فكم حكم على قصص رويت،أو أخبار ذكرت بالبطلان!!.
ومن عباراته ـ رحمه الله تعالى ـ: " إسنادها مظلم، إسنادها تالف،لا تصح، حكاية منقطعة .. الخ تلك العبارات التي ينقد بها ما يورده من أخبار وحكايات.
التنبيه الثاني:
بعد التحقق والتثبت من ذلك المروي عن بعض السلف من قول أو فعل،سواء كان من الصحابة – رضوان الله عليهم ـ أو غيرهم، فينبغي أن يعذر ذلك الشخص فيما نقل عنه إن تبين خطؤه فيه، وأن يعلم أنه لا يمكن أن يصدر تعمد مخالفة السنة ممن عرف بالفضل والعلم والصلاح،كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه القيم: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام "،يقول رحمه الله تعالى في مقدمة هذا الكتاب:
¥