[نظرة في كتاب (الكامل) لابن الأثير د. سليمان الدخيل]
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[10 - 11 - 04, 09:24 م]ـ
[نظرة في كتاب (الكامل) لابن الأثير د. سليمان الدخيل]
هناك فرق بين أن ننسب ابن الأثير - عليه رحمة الله - إلى التشيع وحاشاه
عن ذلك ونحن لا نملك عليه دليلاً، بل نجد في ترجمته ثناء العلماء والحفاظ من
مشاهير أهل السنة [1]؛ وبين أن نقف عند نزعة التشيع في كتابه (الكامل في
التاريخ) وقفة لا تقلل من قدر الكتاب وقيمته بقدر ما تلفت النظر إلى ملاحظة يحسن
التنبه لها.
وقد اطلعت على ما كتبه الأخ الكريم (محمد العبدة) عن (ابن الأثير وموقفه
من الدولة العبيدية وبعض الدول المعاصرة لها) في العدد التاسع من هذه المجلة
الغراء (البيان) وقد لفت نظري ما أشار إليه صاحب المقال مما يدل على نزعة
تشيع عند ابن الأثير في هذا السفر العظيم، وقد تساءلت بيني وبين نفسي: من أين
لابن الأثير هذه النزعة في الكامل؟
أترى هو الجهل بعقائد الشيعة الأمر الذي قال معه ابن الأثير - حين حديثه
عن دعوة العبيديين (الفاطميين) ولم يخرج فيه -يعني المعز- إلى حد يذم
به!! [2].
قال في موضع آخر-وهو يتحدث عن واحدة من عقائد الشيعة (الرجعة) - ما
نصه: (قال عمرو ابن الأصم: قلت للحسن بن علي: إن هذه الشيعة تزعم أن
علياً مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: كذب والله هؤلاء الشيعة، لو علمنا أنه مبعوث
قبل يوم القيامة ما زوجنا نساءه ولا قسمنا ماله). ثم يعلق ابن الأثير بعد ذلك قائلاً:
(أما قوله هذه الشيعة فلا شك أنه يعنى طائفة منها فإن كل شيعة علي لا تقول هذا،
إنما تقوله طائفة يسيرة منهم، ومن مشهوري هذه الطائفة جابر بن يزيد الجعفي
الكوفي، وقد انقرض القائلون بهذه المقالة فيما نعلمه) [3].
وعلى كل حال فالقول بانقراض (الإمامية) وهم القائلون (بالرجعة والوصية)
غير مقبول من ابن الأثير، لاسيما وقد عاش في عصر تكاثر فيه الشيعة وأصبح
لهم وجود ظاهر إلى حد قال معه أحد الشيعة: (ولولا مجيء المغول لرفرف لواء
التشيع على الشرق الإسلامي) [4].
وهو العصر الذي ألفت عنه كتب خاصة بأعيان الشيعة، وفيهم الإمامية ومن
أبرزها (الأنوار الساطعة في المائة السابعة) للشيخ أغا بزرك الطهراني، وقد
أحصى فيه مؤلفه قرابة ثلاثمائة رجل من أعيان الشيعة ومع ذلك قال محققه أنه
لا يمثل بشيء تاريخ الشيعة في ذلك القرن الذي تغلغلوا فيه في بيوت
الأمراء، ودخلوا بلاط الخلفاء، وكان منهم الوزراء والعلماء [5].
وكان من هؤلاء من كان في الموصل أمثال (محمد بن أبي الفوارس الحلي) [6].
وفي عقيدة الرجعة - بالذات - والتي نفى ابن الأثير وجودها في عصره
تطالعنا مصنفات الشيعة بالأعداد الكبيرة المؤلفة فيها على امتداد القرون، وفيها ما
هو في القرن السابع - وقد عايشه ابن الأثير - من أمثال: كتاب (الغيبة للحجة وما
جاء فيها عن النبي والأئمة ووجوب الإيمان بها) للأشرف بن الأغر المعروف بتاج
العلا العلوي الحسيني المتوفي سنة 610 هـ، فهل كانت هذه الكتب سرية حتى لم
يطلع عليها أمثال ابن الأثير؟ أم أنها ألفت في عصور متأخرة ونسبت للأوائل؟!
ووفق ذلك كله فالسمعاني (ت 562) يشهد بوجود أصحاب هذه العقيدة في
عصره [7].
أم هي لظروف العصر وملابسات البيئة التي عاش فيها ابن الأثير؟ وهي
بيئة كان للشيعة فيها وجود ليس على مستوى الأفراد فحسب وإنما على مستوى
الولاة والحكام. ومن أمثلة ذلك: الملك الرحيم (ت 657) الذي ملك (الموصل)
نحواً من خمسين سنة [8] وهو الذي أزال الدولة الأتابكية (وهم أسياده قبل)، وكان
يبعث في كل سنة إلى مشهد علي قنديلاً ذهبياً زنته ألف دينار، وهذا-كما قال
الحافظ ابن كثير-دليل على تشيعه، بل على قلة عقله [9].
وكان في الأصل أرمنياً، حتى نقل (الذهبي) عنه أنه كان يحتفل لعيد
(الشعانين) لبقايا فيه من شعار أهله، فيمد سماطاً عظيماً إلى الغاية، ويحضر
المغاني، وفي غضون ذلك أواني الخمور فيفرح وينثر الذهب من القلعة ويتخاطفه
الرجال؟ فمقت لإحياء شعار النصارى، وقيل فيه:
يعظم أعياد النصارى محبة ويزعم أن الله عيسى بن مريم
إذا نبهته نخوة أريحية إلى المجد قالت أرمنيته: نعم [10]
وإذا كان الأمر كذلك فيه، فلا غرابة أن يسير إلى (هولاكو) التتري - بعد أن
¥