تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قراقوش .. المظلوم حيّاً وميتاً

ـ[أبو معطي]ــــــــ[13 - 11 - 06, 01:17 ص]ـ

قراقوش .. المظلوم حيّاً وميتاً

عبدالله بن علي العسكر

إنّ من قرأ التاريخ عامة والعربي خاصة، وجد عبرة وعظة في حياته، كما أنّ من قرأه بتمعُّن وتجرُّد وجد أنّ هناك شخصيات ظُلمت من المؤرِّخين تارة ومن الرُّواة تارة أخرى، ومصدر الظلم من المؤرِّخين، هو أنّ المؤرِّخين لم يكتبوا لهذه الشخصيات أثناء وجودها أو بناءً على مقابلتها، أو أنّ بعضهم وإنْ كتب عن هذه الشخصية فقد كتب عن حقد في قلبه، إمّا لخلاف مذهبي أو خلاف عقدي أو لمخالفته سياسياً، فصبّ جام غضبه على هذه الشخصية المرموقة للحط من قدرها أو لإضعاف شأنها، وأتى من بعده ونقل عنه، كما نقل بعض المؤرِّخين عن الحكواتيين في سيرة (هارون الرشيد) - رحمه الله -، فدس بعضهم في سيرته ما ليس منها، وإن كنا لا نجزم له ولا لغيره بالعصمة، إلاّ أنّه قال فيه المنصفون:

فمن يطلب لقاءك أو يرده

ففي الحرمين أو أقصى الثغور

وقد يأتي ظلم الشخصية من المؤرِّخين والرواة من جهة مقابلة وذلك بكيل المديح الزائد والوصف العجيب لقوة ذلك الشخصية أو طوله أو أي صفة فيه حتى جعلوا منه شخصية خرافية، وذلك لوهم توهّمه أحدهم ونقل عنه من بعده، ولا غرو فإنّ هذه صفة تكاد في العرب بشيء أوسع، فلقد ذكر العالم النحرير عبد الرحمن بن خلدون في كتابه المسمى بالمقدمة حينما تكلم عن قوم عاد وثمود فقال:

(واعلم أنّ تلك الأفعال للأقدمين إنّما كانت بالهندام واجتماع الفعلة وكثرة الأيدي عليها، فبذلك شيّدت تلك الهياكل والمصانع، ولا تتوهّم ما تتوهّمه العامة أن ذلك لعظم أجسام الأقدمين عن أجسامنا في أطرافها وأقطارها، فليس بين البشر في ذلك كبير بون، كما تجد بين الهياكل والآثار، ولقد ولع القصاص بذلك وتغالوا فيه، وسطّروا عن عاد وثمود والعمالقة في ذلك أخباراً عريقة في الكذب، من أغربها ما يحكون عن عوج بن عنق رجل من الكنعانيين الذين قاتلهم بنو إسرائيل في الشام زعموا أنه كان لطوله يتناول السمك من البحر ويشويه إلى الشمس) (1).

ولعلِّي مما تقدّم توصّلت إلى ما أردت العرض له وهو عنوان هذا المقال، فإنني وإلى وقت قريب أعرف أنّ (قراقوش) شخص غبي مضيع لأمانته، فقد يشبه فيما سمعناه من الحكايات (كهبنقه) أو (باقل)، إلى أن قرأت كتاباً للأستاذ صالح بن محمد الجاسر، ألّفه عن شخصية (قراقوش) فأزال الغمامة التي كانت على عيني.

فلقد حوى الكتاب مائة وتسعاً وعشرين صفحة، تضمّن مقدمة ومدخلاً للموضوع، بين فيهما سبب تأليفه لهذا الكتاب وهو أنه ما يسمع عنه من فكاهة عند العرب كمثل (جحا، أشعب، الكندي) وأنّه دهش حينما وجد أمهات كتب السير والتراجم تنفي عنه كلّ الصفات السيئة التي اتهم بها وتجعل منه رجلاً مخلصاً وأميناً وأنّه كان ساعد صلاح الدين الأيوبي الأيمن في واحدة من أخطر الفترات التي مرت على الأُمّة الإسلامية، ثم قسّم الكتاب إلى ثلاثة فصول، الفصل الأول (بهاء الدين قراقوش الخادم الأمين) ذكر فيه عن المصادر: أنّ قراقوش فتى رومي خصي أبيض وُلد في بلاد آسيا - الأناضول - عاش فيها فترة طفولته ثم في ظروف غامضة اتصل هذا الفتى بأسد الدين شيركوه عم صلاح الدين، وفي دمشق عاش قراقوش في خدمة سيده أسد الدين شيركوه، وأصبح يُعرف بأبي سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي وتلقّب ببهاء الدين، فلما توفي أسد الدين شيركوه عام 564هـ التحق قراقوش بخدمة صلاح الدين الأيوبي فانصقلت مواهبه الإدارية والعسكرية وحاز على ثقة صلاح الدين، وقد بلغ إعجاب صلاح الدين بقراقوش أنّ جعله بعد نيله الوزارة، مدبراً أمور القصر الفاطمي.

ولقد بيّن المؤلف بعد ذلك أنّ صلاح الدين لما استولى على عكا سنة 583هـ رأى أنّها مدينة متخرمة وبيوتها متفرقة، فلم ير من يتولى مهمة تعمير عكا وتسويرها وتدبير أمورها إلاّ قراقوش فيصف العماد الصفهاني ذلك وهو معاصر لصلاح الدين ويذكر خطاب صلاح الدين الأيوبي لقراقوش (ما أرى لكفاية الأمر المهم، وكف الخطاب الملم، غير الشهم الماضي السهم والمضيء الفهم، الهمام المحرب النقاب المجرب، المهذب اللوذعي، المرجب الألمعي الراجح الرأي، الناجح السعي، الكافي بتذليل الجوامح وتعديل الجوانح، وهو الثبت الذي لا يتزلزل، والطود الذي لا يتحلحل بهاء الدين قراقوش، الذي يكفل جيشه بما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير