تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[نحو توثيق السيرة]

ـ[محمد بن القاضي]ــــــــ[07 - 12 - 06, 01:16 م]ـ

نحو توثيق السيرة النبوية المباركة:

أحداث في السيرة بين القبول والرد===================================

تكمن أهمية دراسة السيرة المباركة في تقديم صورة صادقة وأمنية عن حياة سيد الأنبياء ?، وهذا الهدف ليس بالأمر السهل، فمنذ بداية تدوين السيرة والعلماء يضعونه نصب أعينهم، فيتوقفون أمام المدونات والأخبار التي تصل إليهم وينظرون إليها بعين التمحيص والنقد إلا إن هذا المجهود لم يكن ليقف أمام تسرب عناصر إخبارية غير مرضى عنها عملياً إلى كراسي الوعظ والقصص – وهم الذين تسموا باسم " القصاص " وتحملوا تبعة ترويج البضاعة الإحبارية التي رفضت – عمليا – بين طبقات الناس المختلفة. ومن ثم تحصل محصول من الأخبار في السيرة والشمائل المحمدية يحتاج إلى إبراز الموقف الحديثى باعتباره الموقف النقدي المعتبر منها، وهذا هو ما ستحاول هذه السطور تقديم نماذج منها – تنبيها إلى أهمية توثيق السيرة المباركة والرجوع إلى المصادر الاإحبارية والنقدية الموثوق بها حين دراستها.

قصة بحيرا الراهب:

من أشهر القصص في كتب السيرة والدلائل قصة اصطحاب أبى طالب للنبي ? إلى الشام، وتعرف الراهب (بحيرا) عليه، ومعرفته نبوته، وذكره ذلك لأبى طالب في طفولة النبي ? وتحذيره إياه من استمرار اصطحابه إلى الشام خوفا عليه من اليهود، الأمر الذي حدا بأبي طالب إن يرجع بمحمد ? إلى مكة – في قصة طويلة مختلفة في سياقها وتفاصيلها بين أصحاب السير ():

1. فقد ذكر الحديث ابن إسحاق في سيرته – بدون إسناد.

2. ورواه أحمد بن حنبل والترمذي والخرائطي وغيرهم – من حديث قراد – أبى نوح – وزاد فيه إن أبا بكر كان معهم في هذا السفر وإنه لما رجع أبو طالب به إلى مكة بعث معه بلالاً.

3. ورواه معتمر بن سليمان والزهري بدون ذكر اسم الراهب. وهذه الرواية اقتصر عليها المقريزي في (إمتاع الأسماع).

وهذه الروايات أثارت مناقشة كبيرة بين علماء النقد من المحدثين:

• فقد استغرب هذا الحديث جماعة من المحدثين، منهم الإمام الترمذي، فقد قال بعد سياقته: " هذا الحديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه " يقصد بذلك طريق قراد – المشار إليه.

• وضعفه جماعة واستنكروه جداً منهم الحافظ الذهبي الذي ذكره في (تاريخ الإسلام) تحت عنوان: " سفره مع عمه – إن صح " ثم قال: وهو حديث منكر، جداً بل لقد تعقب الحاكم في تصحيحه إياه بقوله: أظنه موضوعاً. وكذلك الظاهر من صنيع الحافظ ابن كثير إنه يستغربه جداً.

• ومن النقاد من صححه بشواهده المختلفة، ومنهم الحاكم في (المستدرك). والحافظ جلال الدين السيوطي في (الخصائص الكبرى) قال " ولها شواهد عدة سأوردها تقضى بصحتها ". ومال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) إلى قبولها جملة، وإنكار الزيادة التي تروى وجود أبى بكر وبلال قال " الحديث رجاله ثقات، وليس فيه منكر إلا هذه اللفظة " بل قد قطع في (الفتح) بقبوله، قال: " إسناده قوى "

تدقيق الروايات ههنا والجزم بصحة القصة:

إلا إن المدقق في روايات الخبر وفي صنيع هؤلاء المحدثين والنقاد يلاحظ مجموعة من الملاحظات.

أولها:إن الخبر قد جاء من طرق مختلفة،وأوجه متباينة تؤكد إن له أصلا صحيحاً:

• فقد خرجه ابن سعد من طريق أبى المليح عن عبد الله بن محمد بن عقيل – مرسلا.

• وابن عساكر من طريق محمد بن سعد بإسناده إلى أبى مجلز.

• والواقدي بإسناده إلى داود بن الحصين.

• والطبري بإسناده عن هشام بن محمد – مرسلاً، أو معضلاً.

• وعبد الرزاق من حديث الزهري – مرسلاً.

• وابن عائد من حديث الوليد بن مسلم عن سليمان بن موسى – مرسلاً هكذا.

• غيرهم من طرق أخرى، أضربنا عنها اكتفاء بما ذكرنا.

والملاحظة الثانية: إن العلماء لا يختلفون في تقوية أمر الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة، أو كانت له شواهد أخرى – كما هو مشهور في مصطلح الحديث ().

والثالثة: إن الحديث المرسل مقبول عند مالك والحنابلة، وقد قبله الشافعي إذا جاء من طريقين مرسلين كل منهما مشتهر أخذ الحديث عن غير الذي يأخذ عنه الأخر – وهذا هو حال مرسلات هذه القصة ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير