[حول مناهج كتابة السيرة النبوية (منقول)]
ـ[الطيب وشنان]ــــــــ[19 - 03 - 07, 07:13 ص]ـ
حول مناهج كتابة السيرة النبوية
معتز الخطيب
إن السيرة النبوية هي تجسيد وتمثيل تلك المبادئ النظرية " المتعالية " التي حواها القرآن، وهي برهان عملي على إمكانية تطبيق الإسلام دينًا ودولة، فبعد أن تنزّل الدستور الإلهي النظري، وتم تجسيده تجسيدًا نموذجيًا ممثلاً بشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا).
تحاول هذه الورقة تقديم نماذج " مجملة " عن بعض مناهج السيرة النبوية " المختلفة " فتستهل بتحديد مصطلحات البحث، ثم تشير إلى عملية التدوين، ومنهج التدوين في الصدر الأول، ثم تعرض لبعض أقوال المحدثين النقدية في بعض كتب السيرة الأولى، ثم تبحث منهج " السيرة الصحيحة "، ثم مناهج المستشرقين، وتختم بإجمال منهج المدرسة الإصلاحية.
وسلكت في هذا البحث طريقة " الإجمال "، ومع ذلك لم نُخْلِ المقام من إيراد الاستشهادات، واتبعت "المنهج الوصفي التحليلي " في عرض القضايا. ولأنني لم ألتزم استيعاب كل المناهج، كما أنني لم أفصل فيها جعلت عنوان الورقة " حول مناهج كتابة السيرة النبوية "، لكن حسبنا أننا عرضنا - فيما نرى - تصوراً " واضحاً " و" مجملاً " لأهم المناهج. واللهَ نسأل أن ينفعنا وغيرنا ويأجرنا.
1 - تحديدات:
قبل الكلام على المناهج لا بد من تحديد المصطلحات التي تستعمل في هذا البحث والتي قد تبدو مترادفة حيناً ومختلفة حيناً آخر وهي: السنة - السيرة - الحديث.
فالحديث في اصطلاح المحدثين: هو ما أُضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أوصفة. لكن الأصوليين يستثنون من التعريف كلمة " صفة " لأنهم يبحثون في الأمور التشريعية العملية، والملحوظ أنهم غالباً ما يستعملون لفظ " السنة " بدل " الحديث " أما المحدثون فإنما يستعملون لفظ " الحديث "، أكثر من " السنة "، وإن أطلقوا السنة فهي - عندهم - تشمل الطريقة العملية ومن ثَمَّ سميت "السنن " الأربعة (سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه) وغيرها لاعتنائها بالأحكام العملية، والأكثر في اصطلاح المحدثين أن السنة والحديث مترادفان وهما يشملان أقوال النبي والصحابة والتابعين وهو ما اصطُلِح عليه بالحديث "المرفوع" و"الموقوف" و"المقطوع". ومن ثم قيل: " سنة الشيخين " وإن كان الأليق أن يُلحظ المعنى اللغوي لـ " السنة " وهو الطريقة، فيقال لكل ما يتعلق بالتطبيق العملي (الفعل): " سنة " ولكل ما يتعلق بالأقوال: " حديث ".
أما السيرة: فهي - في تطبيق المحدثين - جزء من الحديث حيث إن كتب الحديث أفردت باباً لها ضمن الأبواب دُعي باسم " المغازي والسِّيَر " إلى جانب أبواب الطهارة والصلاة والتفسير وغيرها.
والجدير بالملاحظة أن كثيراً من كتب السيرة الأولى سميت بـ " المغازي " كمغازي أبان بن عثمان (101 هـ) ومغازي عامر بن شَرَاحيل الشعبي (103 هـ) ومغازي موسى بن عُقْبة (140 هـ) وتذكر كتب التراجم أن ابن إسحاق كان إماماً في "المغازي" وهذا التعبير هو الشائع على لسان العلماء في ذلك العصر كالشافعي [انظر مثلاً الخطيب، الجامع لأخلاق الراوي تحقيق د. محمود الطحان، الرياض، المعارف 1403 هـ، جـ 2 ص 164] وإن كان المعنى اللغوي للسيرة والسنة واحدًا فكلاهما بمعنى " الطريقة ".
وثمة اصطلاحات أخرى لـ " السنة " في حقل علم العقيدة وعلم الفقه لا تعنينا هنا.
و " السيرة " في تطبيق مؤرخي السيرة هي حياة النبي صلى الله عليه وسلم بكل ملامحها وتفصيلاتها فهي أقرب إلى التأريخ التفصيلي للإسلام ممثلاً بشخصية النبي وخلفائه الراشدين وصحابته الكرام والأحداث التاريخية التي دارت بين الإسلام ومناهضيه. بل إن سيرة ابن إسحاق تدخل في أوسع من هذا حيث ضمَّ إلى السيرة غيرها من الأخبار والقصص وغيرها من أخبار أهل الكتاب [كما قال الخطيب، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، (م. س) جـ 2 ص 163] حتى جاء ابن هشام فهذبها في "السيرة النبوية". ومن هنا اعتبر القِنَّوْجي - (1307 هـ) [في أبجد العلوم، تح عبد الجبار زكار، بيروت، الكتب العلمية 1978، جـ 2، ص 514]. السيرة من فروع علم
¥