[حقيقة دعوة ابن تومرت د. حمد بن صالح السحيباني]
ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[09 - 11 - 04, 03:12 ص]ـ
حقيقة دعوة ابن تومرت
د. حمد بن صالح السحيباني
تمهيد:
مني العالم الإسلامي منذ عصر صدر الإسلام حتى عصرنا الحاضر بظهور
العديد من الدعوات والدول التي لبست ثوب الإسلام، واتخذته شعاراً ظاهراً لتحقيق
مطامح ومطامع خفية تهدف إلى النيل من الإسلام وحرب المسلمين بشعار الاسلام
واسمه، وما دعوات الرافضة، والقرامطة، والعبيديين، والموحدين إلا ضرباً لتلك
الدعوات والدول على مدار التاريخ الإسلامي.
وإذا كانت الدعوات والدول الثلاث الأولى قد كتب عنها كثير من المؤرخين
والكتاب المحدثين، فأبانوا حقائقها، وكشفوا للناس زيفها وبطلانها؛ فإن دعوة
الموحدين -التي أسسها ابن تومرت- كان نصيبها من الدراسات قليل [1]، ولهذا
خفي على كثير من المسلمين حقيقتها، لاسيما وقد سماها مؤسسها بدعوة الموحدين،
فظنوا بها خيراً، ونسبوها إلى الصلاح والاستقامة [2]، علماً بأنها كانت خلاف
ذلك كما يوحي بهذا تراثها الفكري وتاريخ مؤسسها وداعيها الأول محمد بن تومرت
، وهذا ما دفعني إلى دراسة هذه الدعوة والتعرف على أسسها العقدية لبيان حقيقتها
وكشف زيفها، معتمداً في ذلك بعد الله -سبحانه وتعالى- على أقوال ابن تومرت
وأفعاله، وما دونه لنا المؤرخون المعاصرون لتلك الدعوة، حيث إن مؤلفات ابن
تومرت وتلاميذه من أمثال البيدق، وابن القطان، وابن صاحب الصلاة موجودة
بين أيدينا، إضافة إلى أن الفترة التي ظهرت فيها دعوة الموحدين حظيت بوجود
العديد من المؤرخين الذين عاصروا تلك الدعوة أو عاشوا قريباً منها، فكتبوا عنها،
وهم شهود عيان لما كتبوا من أمثال المراكشي وابن خلدون، وابن أبي زرع،
وغيرهم.
وسأنهج في دراستي لدعوة الموحدين أن أقوم أولاً بتتبع نشأة تلك الدعوة
وبيان المراحل والأطوار التي مرت بها، وموقف الناس منها، ثم أخلص بعد ذلك
إلى بيان أهم الأسس العقدية التي قامت عليها، ومدى قربها أو بعدها من الأسس
الإسلامية الصحيحة.
الاتجاه الفكري للدول الإسلامية التي قامت في شمال بلاد المغرب:
لعل من المناسب بادئ ذي بدء أن نبين الاتجاه الفكري للدول الإسلامية التي
ظهرت في بلاد المغرب الإسلامي -الشمال الأفريقي- منذ القرن الثاني وحتى القرن
الخامس لنعرف مكان دولة الموحدين بينها، والأرضية التي ظهرت فيها تلك الدعوة
وأصبح لها كيان سياسي يحميها، ذلك أنه بعد أن ضعفت قبضة الخلافة الإسلامية
بالمشرق على الشمال الأفريقي ظهر هناك العديد من الدول الإسلامية التي أعلن
بعضها استقلالها عنها، بينما بقي البعض منها موالياً لها ولاًء صورياً، وقد تباينت
اتجاهات ومشارب تلك الدول حيث انقسمت إلى أربعة اتجاهات رئيسة هي:
1 - الاتجاه السني ويمثله دولتا الأغالبة والمرابطين، والدولة الزيرية
الصنهاجية في آخر عمرها.
2 - الاتجاه الخارجي ويمثله دولتا الرستميين والمدراريين [3].
3 - الاتجاه الرافضي، ويمثله دولة العبيديين.
4 - الاتجاه الاعتزالي ويمثله دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى.
وبالإضافة إلى هذه الاتجاهات الرئيسة فقد كان هناك اتجاه خامس هو اتجاه
دولة الموحدين والذي كان يجمع بين هذه الاتجاهات وغيرها من الاتجاهات الفكرية
الأخرى، إذ أن محمد بن تومرت مؤسس هذه الدولة استقى من جميع هذه المشارب
بل زاد عليها ما يرى أنه يخدم ميوله وأهدافه، ولهذا جاءت الأسس الفكرية لهذه
الدولة خليطاً مضطرباً كما سنرى.
الأسس الفكرية لدعوة ابن تومرت:
لما كانت الأسس الفكرية -العقدية- لكل دولة أو جماعة أو فرد هي الموجه
الحقيقي لحركاتها وسكناتها فإن دراسة تلك الأسس مطلب ملح قبل دراسة تاريخ
الدولة أو الجماعة أو الأفراد.
ودولة الموحدين أول من وضع أسسها الفكرية هو محمد بن عبد الله ابن
تومرت الصنهاجي، ولد في الثلث الأخير من القرن الخامس الهجري ببلاد المغرب
الأقصى، وقد اختلف المؤرخون في تحديد سنة مولده [4].
ادعى ابن تومرت النسب القرشي، وأنه من سلالة الرسول -صلى الله عليه
وسلم- وقد أقر بعض المؤرخين هذا الادعاء [5]، لكن طائفة أخرى من المؤرخين
أنكرت هذا الادعاء وقالت إن ابن تومرت دعيّ فيه فهو من هرغة إحدى قبائل
¥