تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا تكفل به الجيوش).

واستمر قراقوش بالبناء، حتى استطاع الفرنج السيطرة على عكا في 17 جمادى الآخرة سنة 587هـ فأخذ أسيراً مع الأسرى، حتى فداه صلاح الدين بعشرة آلاف دينار وقيل بستين ألف دينار، كما ذكر ابن تغري بردي.

وفي سنة 572هـ اختار صلاح الدين موقعاً في جبل المقطم يشرف على القاهرة وأمر بهاء الدين قراقوش أن يبني قلعة حصينة فوق رابية من روابي المقطم، وقد نقل المؤلِّف عن المقريزي أنّ من أعمال قراقوش بناء قناطر الجيزة التي وصفها المؤرِّخون بأنّها من عجائب البنيان ومن أعمال الجبارين وهي نيف وأربعون قنطرة.

وقد ذكر المؤلف أنّه بعد وفاة صلاح الدين أنّ قراقوش أصبح نائباً للملك العزيز على القاهرة، وكان الملك العزيز قبل وفاته قد أوصى لابنه محمد المنصور بالملك وعمره تسع سنين وأوصى بالإشراف عليه لبهاء الدين قراقوش، كما ذكر ذلك ابن خلكان، فاستمر على ذلك حتى توفي في مستهل رجب سنة 597هـ بالقاهرة بعد أن خدم صلاح الدين وابنيه أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وكان آخر عمل قام به تجديد بناء جامع قيدان خارج القاهرة في محرم سنة 597هـ كما جدد حوض السبيل الذي فيه.

أمّا في الفصل الثاني من الكتاب، فقد تطرّق إلى الأسباب التي جعلت الحكايات المشوّهة تلصق بشخصية قراقوش، وبيّن أنّ ذلك بسبب ما ألّفه أحد أقران قراقوش وهو: ابن مماتي في ذلك الكتاب المسمّى (الفاشوش في أحكام قراقوش) الذي نال فيه من قراقوش، وذلك لما يكنّه من حسد وحقد على قراقوش، لأنّه يرى أنّه أجدر من قراقوش لدى صلاح الدين، مما لقي رواجاً خاصة بين العامة الذين تداولوه وتناقلوا حكاياته، حتى صار اسم قراقوش مرادفاً للأحكام الجائرة والغباء والجهل والظلم، غير مدركين أنّها تنسب إلى رجل كان له دور كبير فيما تحقق على يدي صلاح الدين من إنجازات، أمّا ما سطّره المؤرِّخون المنصفون الثقاة عن مآثر هذا الرجل فقد نُسي، واكتفى الناس بما رسمه له ابن مماتي من سيرة سيئة يصعب محوها، ثم بحث المؤلِّف عن الأسباب التي جعلت ابن مماتي يؤِّلف هذا الكتاب ويبالغ في التشويه في سمعة قراقوش، وتوصّل إلى أنّه إضافة إلى حسد الأقران، يرى بعض الباحثين أنّ هذا الكتاب كان أثراً لأحداث سياسية تمثّلت في القضاء على الدولة الفاطمية التي كانت متسامحة مع النصارى الذين كان ابن مماتي وأُسرته ينتمون إليهم قبل أن يسلموا في زمن صلاح الدين في ظروف تدعو إلى الشك، ويذهب إلى هذا الرأي المستشرق الفرنسي بول كازانوفا الذي يصف كتاب الفاشوش بأنّه (يعتبر أثراً لحادث خطير، هو سقوط الفاطميين وأنّه يعتبر المظهر الأخير لبغض مصر وأهلها لكلِّ فاتح لبلادهم) إضافة إلى قيام قراقوش بتسخير الآلاف من الأسرى الصليبيين لتنفيذ الأعمال العمرانية التي كلفه صلاح الدين بها في مصر وما تطلبه ذلك من قوة وصرامة شديدة بسبب ظروف الحرب التي تعيشها البلاد آنذاك، إضافة إلى أنّ اتصاف قراقوش بالشدة والصرامة انعكس على تعامله مع الشعراء والأدباء وهم يمثلون رجال الإعلام في ذلك الوقت فكان تشويه سيرته جزاء عدم إحسانه التعامل معهم، ثم استعرض المؤلِّف حكايات (الفاشوش في أحكام قراقوش) وبيّن أنّها صيغت بأسلوب عامي ركيك أراد فيه ابن مماتي محاكاة العامة ليضمن لحكاياته الرواج والانتشار، وأنّ الناس لو محصوها في هذا الوقت لأدركوا أنّها لا يمكن أن تصدر عن رجل سوي فكيف برجل كان له دور مهم وبارز في الدفاع عن البلاد الإسلامية في وقت عصيب، ثم سرد المؤلِّف عشرين حكاية وردت في كتابه الفاشوش وبيّن ملحوظاته عليها:

1 - وجود تشابه كبير بين بعض الحكايات المنسوبة لقراقوش وبين ما يتداوله الناس من حكايات تنسب إلى جحا.

2 - تناقض بعض الحكايات مع ما اتفق عليه المؤرِّخون عن قراقوش ومنها حكاية تتحدث عن ابن لقراقوش مع أنّ المؤرِّخين مجمعون على أنّه خصي.

3 - أنّ ابن مماتي أقحم النصارى في بعض حكاياته وجعلهم الأذكى والأقوى والقادرين على الإنقاذ.

4 - يبدأ ابن مماتي حكاياته بكلمة حكي أو يحكى أنّ.

أمّا في الفصل الثالث فبيّن المؤلِّف كلام المؤرِّخين الثقات عن قراقوش ونقل كلام ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان وكلام العماد الأصفهاني (الفتح القسي في الفتح القدسي) ووصفه لقراقوش بأنّه قائد الجيوش.

ونقل كلاماً لابن العماد الحنبلي في كتابه شذرات الذهب ضمن وفيات سنة 597هـ وقال عنه: (قراقوش الأمير الكبير وقد وضعوا عليه خرافات لا تصح، ولولا وثوق صلاح الدين بعقله لما سلم إليه عكا وغيرها). كما أنّه نقل عن أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) في مواضع منها: (وفيها توفي قراقوش بن عبد الله الأسدي المنسوب إليه حارة بهاء الدين بالقاهرة داخل باب الفتوح) إلى آخره وشمس الدين الذهبي في كتابه العبر في خبر من غبر، وشهاب الدين أبو شامة المقدس في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، وكل هؤلاء المؤرِّخون الجهابزة كتبوا سيرته بصدق ودافعوا عنه مما ألصق به من حكايات مشبوهة.

وبعد أيّها القارئ الكريم فلقد أجاد المؤلِّف صالح محمد الجاسر في كتابه (قراقوش المظلوم حياً وميتاً) وفتح الطريق أمام المؤرِّخين والباحثين للحذو حذوه في تتبُّع التاريخ وتمييز صحيحه من سقيمه، وإنصاف الشخصيات التي لفق عليها بعض المغرضين خرافات وحكايات لا يصدِّقها من عنده أدنى عقل أو بصيرة في العالم بقصد تشويه المسلمين والعرب، وإظهارهم بأنّهم سذّج لا يقدرون على إدارة حكمهم، وفّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

(1) مقدمة ابن خلدون طبعة دار الفجر للتراث. تحقيق د. حامد أحمد، الطاهر.

رابط المقال من صحيفة الجزيرة الأحد 14 شوال 1427 هـ

http://213.136.192.26/2006jaz/nov/5/wo3.htm

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير