تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول بيتر جران صاحب كتاب الجذور الإسلامية للرأسمالية "إن الفكر العلمى الذى أنتجه شيوخ الأزهر المصريون لم يشرع فى التبلور إلا منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى أجهضته التحولات الكبرى فى عصر إسماعيل….وأن الحملة الاستعمارية التى قادها نابليون هى التى أجهضت التصور الاقتصادى الفكرى الحقيقى والأصيل والقومى فى مصر، ومهدت السبيل إلى غرس فكرة استيراد واستعارة نماذج الثقافة والتحضر ومناهجها الغربية……ويقرر أن مصادر هذا الفكر لا توجد إلا فى الكتب والمخطوطات المصرية الموجودة فى مكتبة الأزهر ودار الكتب، والتى ظل الدارسون المحدثون يصرفون النظر عنها منذ عصر محمد على ().

وأخيرا فإن الغفلة عن المفكرين العلميين قد تكون مبررة إثر دفن التصور الاقتصادى العلمى وإقصاء رواده، ولكن كيف يبرر السهو عن قيمة ومكانة أمثال الدهلوى، والشربينى، والزبيدى والصنعانى، وابن عابدين، والشوكانى والسنوسى، وهم أجل من أن يخطئهم بصر باحث فى الوعى الإسلامى؟ ناهيك عن غيرهم من العلماء – غير بنى الأزهر – أمثال محمد بن عبد الوهاب، وعبد الحميد بن باديس. وهما رواد فكر، وقادة تحول.

تخصيص القضاء:

يبقى تخصيص القضاء بمذهب معين، وهو وإن كان ضارا بالنشاط الفكرى، إلا أنه من دواعى الاستقرار وانتظام الأحكام، على أن الدعوة إلى تخصيص القضاء قديمة، ولعلها ترجع إلى ما قبل رسالة عبد الله بن المقفع إلى أبى جعفر المنصور الخليفة العباسى، والمعروفة باسم "رسالة الصحابة" () ففى عهود التولية الصادرة من الخلفاء الراشدين ما يومئ إلى شئ من التقييد.

وعلى كل حال فإنه أنفى للتهمة وأرضى للخصوم وإن كانت أحكام الشرع لا توجبه فالسياسة تقتضيه ().

وأميل إلى أن القضاء كان مقيدا فعلا- بمراعاة مؤهلات القضاة ومناهجهم- وإن لم يبرز النص على ذلك فى عهود الولاية () ومع ذلك لم يمنع تقييد التصرف القضائى من الاجتهاد الفقهى فى عصور الاجتهاد المطلق والمذهبى.

ومن جانب آخر هل من دليل مقنع على اهتزاز القضاء المخصص، أو عجز عن فض الخصومات، وأداء الحقوق إلى أصحابها؟

اللهم لا، إلا روايات من هنا وهناك تتعلق بقاض بعينه، أو خصومة بعينها، وذاك فقر لم يبرأ منه مجتمع أبدا، أما عموم النظام القضائى فلدينا شهادات تؤكد أنه فى عهد المماليك كان "ممتازا" () ويشهد مكسيم رودنسون: أن "النظم العثمانية السياسية والإدارية والعسكرية كانت موضوعا للتأملات النظرية المنطوية على الإعجاب بكفايتها فى نواح عديدة" ().

والتهمة الشائعة عن القضاء فى العصر العثمانى هى "عثمنة" القضاء، وهى على التحقيق تهمة لا تخلو من عصبية، ولا تعنى أكثر من أن أشخاص القائمين على إدارة القضاء هم من الأتراك العثمانيين، أما القضاء ذاته فقد كان شرعيا ولم يلتزم طوال تلك الفترة بغير أحكام الشريعة الإسلامية () وإن كان من الباحثين من يقرر أنه منذ الربع الأخير من القرن السادس عشر أصبحت أسماء القضاة التى توجد على الصفحات الأولى من سجلات هذه المحاكم كلها أسماء مصرية ومن بين علماء الأزهر الشريف عدا اسم قاضى العسكر وبعض نوابه والذين تذكر أسماؤهم فى سجلات الديوان العالى ومحكمة الباب العالى ().

كما قام النظام القضائى العثمانى على تيسير سبل التقاضى على المواطنين، فقسم القطر المصرى – مثلا – إلى ست وثلاثين ولاية قضائية تقوم على رأسها محكمة الباب العالى فى القاهرة، وإلى جانبها توجد اثنتا عشرة محكمة فى أخطاط – أحياء – القاهرة المختلفة، كما روعى أن تتبع محاكم الولايات محاكم أخرى تسمى محاكم النواحى يتوقف عددها على مساحة إقليم الولاية القضائية، وقد كانت هذه المحاكم ذات اختصاص عام بنظر كل ما يرفع إليها، فضلا عن محكمتين تمارسان اختصاصا نوعيا وهما: محكمة القسمة العسكرية ومحكمة القسمة العربية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير