تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القسم الثالث من المناهج منهجيةُ مَن جمع بين طريقةِ المُؤرِّخين وطريقةِ المحدِّثين. يقول الدكتور أكرم العمري: وبعضُ المُؤلِّفين جمعَ بين صِفتي المحدِّثِ والمُؤرِّخِ مثل محمد بن إسحاق وخليفة بن خيَّاط، ويعقوب بن سُفيان الفَسَويُّ، ومحمد بن جَرِير الطَّبريِّ، وهؤلاء أفادُوا منهجَ المحدِّثين بالتزامِ سَرْدِ الأسانيدِ ومُحاولةِ إكمالِ صُورةِ الحادثِ عن طريقِ جمعِ الأسانيدِ –أحياناً- أو سردِ الرِّواياتِ التي تُشكِّلُ وحدةً موضوعيةً تحتَ عناوينَ دالَّة8.

وقال الدكتور محمد السلمي: وهذا المنهجُ الذي سَلَكَهُ ابنُ إسحاق حاولَ أنْ يجمعَ فيه بين منهجِ المحدِّثين القائمِ على الأسانيدِ لغرضِ التَّوثيقِ العلميِّ، وبين منهجِ الإخباريينَ المتحررينَ من الالتزامِ بالأسانيدِ التي كانتْ سِمَةَ العلمِ والمعرفةِ في ذلكَ العصرِ، ولعلَّهُ كانَ يهدف إلى إخراج السِّيرةِ النَّبَويَّةِ في صُورةٍ مُترابطةِ الأجزاءِ، مُتسلسلةِ الأحداثِ ليسهلَ على النَّاسِ حفظُها, وقد لقيتْ سيرتُهُ قَبُولاً عندَ عامَّةِ المسلمين – خاصة بعد التَّهذيبِ الذي أجراهُ ابنُ هشامٍ فأصبحتْ سهلةَ الحفظِ والتَّلقين للطَّلابِ المبتدئينَ وللعامَّة واختصاراً ونَظْماً 9.

وجاء مِن بعدِ ابنِ إسحاق الواقديُّ وابنُ سعد، فأمَّا الواقديُّ فقد تقدَّمَ خُطوةً على ابنِ إسحاقَ، يقولُ الدَّكتور السلميُّ: وقد تقدَّمَ الواقديُّ خُطوةً على منهجِ ابنِ إسحاقَ في الابتعادِ عن طريقةِ المحدِّثينَ وعدمِ الالتزامِ بالأسانيدِ وألفاظِ الرُّواةِ وصاغَ المغازيَ في نَسَقٍ واحدٍ مُترابطِ الأحداثِ في أسلوبٍ قَصصيٍّ واضحِ العِبَارةِ مِمَّا يسرَّ حفظَها على عامَّةِ النَّاسِ10. وقد نهجَ مُؤلِّفو هذه الكتبِ منهجَ المحدِّثين في الرِّوايةِ: مِن ذِكْرِ الأسانيدِ، والنَّظرِ في الرُّواةِ، وإنْ لم يلتزمُوا ما التزمَهُ المحدِّثون من التشددِ في التَّعديلِ والتَّجريحِ، وقبول الرِّوايةِ، ورُبَّ رجلٍ مجروحٍ عند أهلِ الحديثِ ,وهو ثِقةٌ عندَ أهلِ السِّيَرِ، وهذا يَرجعُ إلى اختلافِ الغرضينِ، فغرضُ المحدِّثِ ذكرُ الأحاديثِ التي هيَ مَنَاطُ معرفةِ الحلالِ والحرامِ، ومِنْ ثَمَّ كانَ لابُدَّ مِنَ التشددِ في الرِّوايةِ، وغَرَضُ المؤلِّفِ في السِّيَرِ والتَّواريخِ ذِكْرُ أخبارٍ ليستْ مَنَاطَ الحلالِ والحرامِ غالِباً، فَمِنْ ثَمَّ تساهلُوا، ووُجدتْ ذكر أخبار ليستْ مناطَ الحلالِ والحرامِ غالِباً، فَمَن ثَمَّ تساهلُوا، ووُجدتْ في كتبِهم الرِّواياتُ المرسَلةُ، والمنقطعةُ، والمعضلةُ، والشَّاذةُ والمنكرةُ، بل الموضوعةُ المختلقةُ على قِلَّةٍ, بل المحدِّثون أنفسُهم يتشدَّدونَ ويُبالِغُون في التَّحرِّي عن الرُّواةِ حينما يروون أحاديثَ الأحكامِ، ويتساهلُون في بعضَ الشَّيءِ في روايةِ الفضائلِ، رُوي عن الإمامِ أحمدَ أنَّهُ قالَ: (نحنُ إذا روينا في الحلالِ والحرامِ شدَّدنا، وإذا روينا في الفضائلِ تساهلنا)، وفي معنى الفضائلِ المغازي، والسِّيَرُ، ورُوي عنه –أيضاً- أنَّهُ قالَ: (ثلاثةٌ ليسَ لها أصلٌ: التَّفسيرُ، والملاحِمُ، والمَغَازي) , ومرادُه أنَّهُ يغلبُ فيها روايةُ المراسيلِ، والمنقطعاتِ والبلاغاتِ، ونحوِها و إلَّا فقد صحَّ فيها أحاديثُ كثيرةٌ11.

تنبيهٌ لابُدَّ مِنْهُ:

يقول الدكتور أكرم ضِياء العمري: تعقَّب ابنُ حَجَرٍ العسقلانيُّ إنكارَ بعضِ النُّقَّادِ لخبرٍ غريبٍ, فقالَ: (في طُرُقِ هذه القصَّةِ القويُّ والضَّعيفُ، ولا سبيلَ إلى ردِّ الجميعِ فإنَّهُ يُنادي على مَن أطلقَهُ بقلَّةِ الاطلاعِ والإقدامِ على ردِّ مالا يعلمُهُ، لكن الأَولى أنْ ينظرَ إلى ما اختُلف فيه بالزِّيادةِ والنَّقصِ, فيُؤخذ بما اجتمعتْ عليهِ ويُؤخذُ من المختلف ماقوي ويُطرحُ ما ضعفَ وما اضطرب، فإنَّ الاضطرابَ إذا بَعُدَ به الجمعُ بين المختلفِ، ولم يتجرح شيء منه التحق بالضعيف المردود) 12.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير