ويشير بعض المؤرخين إلى أن هذا الغزو لديار بني إسرائيل وتشريدهم، وهدم معبدهم جزاءً وفاقاً لتخليهم عن هدي الرسالات وحقائق الدين، وتحولهم من دور الإصلاح المنوط بأتباع الرسل إلى دور الإفساد الذي أرسلت الرسل لتطهير الأرض منه، وجرت سنة الله التي لا تتبدل على أمة بني إسرائيل، إذ عوقبوا على الإفساد الذي أظهروه بواحاً، فيشير البعض إلى أن المعبد الذي بناه سليمان (عليه السلام) لعبادة الله تعالى، حوله بنو إسرائيل بعد وفاته إلى مكاناً للهو والدعارة والممارسات الآثمة.
العودة من السبي وإعادة بناء الهيكل:
بعد سقوط مملكتي إسرائيل ويهوذا، احتل ملك الفرس (قورش الإخميني) بلاد بابل، ومن ثم أصبح له السلطان على أرض (يهوذا). فأطلق الفرس على شعب يهوذا اسم (اليهود) وعلى ديانتهم (اليهودية)، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت كلمة (اليهود) تعني من اعتنق اليهودية ولو لم يكن من بني إسرائيل.
سمح قورش لليهود بالعودة إلى فلسطين عام (538) ق. م، فقاموا بإعادة تعمير المدينة المقدسة، وأعادوا بناء المعبد مرة أخرى على نفقة بيت الملك في عهد دارا (داريوس) سنة (515) ق. م.
التدمير الثاني للمعبد (المسجد الأقصى):
في سنة (332) ق. م، تمكن الاسكندر المقدوني من السيطرة على فلسطين، ليبتدأ عهد الإغريق في المنطقة (332 ق. م – 64 ق. م)، فتأرجح وضع اليهود بين مد وجزر، حتى كان عهد الملك السلوقي أنطيوخس الرابع (175 ق. م – 164 ق. م)، فدمر الهيكل، ونهب كل ما فيه، وأجبر اليهود على اعتناق الوثنية الإغريقية حتى اندلعت ثورة اليهود المكابيين.
إعادة بناء المعبد للمرة الثانية:
نتيجة لاستمرار الصراع بين اليهود المكابيين وأعدائهم، استغل الرومان الفرصة فقاموا باحتلال فلسطين سنة (63) ق. م، واستولوا على القدس بقيادة القائد الروماني (يامبيوس)، وتم تنصيب (هيرودس) الروماني ملكاً على فلسطين. حاول هيرودس تهدئة الأوضاع واسترضاء اليهود، فأعاد بناء المعبد (الهيكل) على نسق هيكل سليمان، وذلك بين العامين (20 - 18) ق. م، وظل المعبد على هذا الحال حتى جاء نبي الله زكريا وابنه يحيى وعيسى بن مريم ابن خالة يحيى عليهم الصلاة والسلام.
المعبد في عهد يحيى وزكريا عليهما السلام
ورد في القرآن ما يدل على أن المعبد كان قائما في عهود هؤلاء الأنبياء، حيث كانت مريم عليها السلام قد وهبتها أمها لخدمة بيت المقدس، قال تعالى: (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم. فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء. فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين).
فالنذر كان لخدمة المعبد المقدس، ولكن جاء المولود أنثى هي مريم عليها السلام، وكفلها زكريا (عليه السلام) الذي كان رئيس الهيكل حينئذ، وفي محراب الهيكل دعا زكريا (عليه السلام) ربه بأن يرزقه الذرية الطيبة، فجاءته البشرى بيحيى (عليه السلام) وهو قائم يصلي في المحراب.
ثم إن زكريا (عليه السلام) قد نشره اليهود بالمنشار فقتلوه، كما قتلوا ولده يحيى (عليه السلام) عندما وشوا به إلى ملك ظالم في عصره.
وقتل هذين النبيين عليهما السلام اعتبر من الإفسادات الكبرى لليهود، وما دام هؤلاء القتلة ما انفكوا يقتلون الأنبياء والصالحين الذين كان المعبد مصلاهم ومكان تقربهم إلى الله، فأيهما أحق به، هم - أي اليهود-، أم المسلمون أتباع خاتم المرسلين ووارث مساجد ومعابد إخوانه الأنبياء عليهم السلام؟!!!
المعبد في عهد عيسى عليه السلام:
¥