تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما يحصل في بلاد المسلمين من اختلاف وفرقة، وتنازعٍ في الأقوال، وتراشقٍ بالتهم، وانتشارٍ للأهواء، وازدياد الفتن في وقت عصيب عسير ليستدعي التوبة الجماعية إلى الله تعالى، والتجرد من الأهواء، والتزام الكتاب والسنة، والنصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والسعي الحثيث إلى ما يجمع الكلمة، ويرأب الصدع، مع الاستفادة من التجارب السابقة في تاريخ المسلمين في مواجهة المحن، ومعالجة الفتن، واجتناب أخطائها، والتزام صوابها.

ولو نظرنا في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه لوجدنا أن بدايتها كانت مجرد آراء في الاعتراض على سياسات معينة، ثم تفاقمت بفعل أعداءٍ ملأ الحقد قلوبهم، فاندسوا في صفوف الدهماء والرعاع، يؤلبونهم ويحرضونهم على الخروج على عثمان رضي الله عنه، كان على رأسهم: ابن السوداء (عبدالله بن سبأ اليهودي) الذي لقب بالموت الأسود، وأظهر الإسلام، وكان على رأس طلائع الخارجين على عثمان، ينفخ في نار الفتنة، ويقطع الطريق على أيِّ مبادرة لرد العدوان عن عثمان رضي الله عنه، ويُحَرِّض عامة الناس، ويضخم الأخطاء، ويتخذ الكذب والأباطيل والإشاعات سبيلاً إلى ما يريد؛ حتى بلغ ما تمنى، وكان أخزاه الله تعالى من جملة من اقتحموا الدار على عثمان رضي الله عنه، وخنقه خنقاً شديداً (15).

وسبب آخر لايقل أهمية عن السبب الأول وهو أن مروان بن الحكم كان من خاصة عثمان رضي الله عنه، وأقام معه في الدار، ولما وقع الصلح في بدايات الفتنة بين عثمان والخارجين عليه بأن يلبي بعض مطالبهم، وكتب كتاباً بذلك؛ إخماداً للفتنة، وحقناً للدماء؛ اجتهد مروان من تلقاء نفسه، وافتات على ولي أمره، فكتب كتاباً ختمه بخاتم عثمان، ووجهه إلى أمير مصر يأمره بقتل الخوارج على عثمان وصلبهم، وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فاطلع الخارجون على عثمان على هذا الكتاب فثارت ثائرتهم، وعادوا مرة أخرى بعد أن سكنوا وتم الصلح، فحلف عثمان رضي الله عنه أنه ما كتب كتاباً ولا رضيه، فطلبوا منه أن يسلم مروان فأبى عثمان رضي الله عنه؛ خشية أن يقتلوه بسبب ذلك، ورأى عثمان أن اجتهاد مروان خاطيء ولكنه لا يوجب قتله، ولو استحق القتل فذلك لولي الأمر وليس للخوارج. فكان من أمر الله تعالى وقدره ما كان (16).

وذكر بعض المحققين أن الكتاب زوّره الخوارج على عثمان}، كما زوّروا كتباً على بقية الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عن الجميع قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "وفي رواية أنهم طلبوا منه أن يعزل نوابه عن الأمصار ويولي عليهم من يريدون هم، وإن لم يعزل نفسه أن يسلم لهم مروان بن الحكم فيعاقبوه كما زوّر على عثمان كتابه إلى مصر، فخشي عثمان إن سلمه إليهم أن يقتلوه فيكون سبباً في قتل امريء مسلم، وما فعل من الأمر ما يستحق بسببه القتل" وقال في موضع آخر: "وقد ذكر ابن جرير في تاريخه بأسانيده: أن المصريين لما وجدوا ذلك الكتاب مع البريد إلى أمير مصر، فيه الأمر بقتل بعضهم وصلب بعضهم، وبقطع أيدي بعضهم وأرجلهم، وكان قد كتبه مروان بن الحكم على لسان عثمان؛ متأولاً قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم صلى الله عليه وسلملله 33 صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلمالمائدة: 33}، وعنده أن هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه من جملة المفسدين في الأرض، ولا شك أنهم كذلك، لكن لم يكن له أن يفتات على عثمان، ويكتب على لسانه بغير علمه، ويزوّر على خطه وخاتمه، ويبعث غلامه على بعيره بعد ما وقع الصلح بين عثمان وبين المصريين على تأمير محمد بن أبي بكر على مصر بخلاف ذلك كله؛ ولهذا لما وجدوا هذا الكتاب على خلاف ما وقع الاتفاق عليه، وظنوا أنه من عثمان؛ أعظموا ذلك مع ما هم مشتملون عليه من الشر، فرجعوا إلى المدينة فطافوا به على رؤوس الصحابة، وأعانهم على ذلك قوم آخرون، حتى ظن بعض الصحابة أن هذا عن أمر عثمان رضي الله عنه، فلما قيل لعثمان رضي الله عنه في أمر هذا الكتاب بحضرة جماعة من أعيان الصحابة وجمهور المصريين حلف بالله العظيم وهو الصادق البار الراشد أنه لم يكتب هذا الكتاب، ولا أملاه على من كتبه، ولا علم به، فقالوا: إن عليه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير