إلا رب العالمين.
إلى أن قال: لا سيما وقد من الله ـ تعالى ـ ولهالحمد والنعمة على المسلمين، بما وفق السلطان زاده الله فضلا وخيرا وتمكينا وعلوا ونصرا وإدامة ظاهرا على أعداء الدين وسائر المخالفين، أمرا بالمعروف عن المنكرات مبطلا للمحاسن والخيرات، بما فعله من إزالة هذا المنكر العظيم الفاحش الجسيم الذي لم يسبق إلى إزالته " ولينصرن الله من ينصره " (الحج: 40).
قال: فهذه نصيحة الخدمة أنهوها إلى الأمير، وهم راجون من فضل الله ـ تعالى ـ مسارعته إلى هذا المصلحة ولا تحصل بعفل أحاد الناس، بل اجتماع الناس كلهم، ومنهم العلماء والصالحون والصغار والضعفاء والمساكين والمضطرون.
قال: وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" هل تنصرون وترزقون إلا بضعفاتكم "
والله يوفق الأمير لكل مكرمة ويديمه أمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر حاثا على الاهتمام بشعائر الدين، ومصالح المسلمين، والحمد لله رب العالمين وسلام على عبادة الذين اصطفى، وصلى الله عليه وسلم محمد وعلى آله وصحبه أجمعين "
ولما وصلت الرسالة إلى ولي الأمر فعل ما أمره به، ثم سقوا بعد ذلك بسبعة أيام سقيا عامة، وترادفت أمطار كثيرة بعد أن حصل لكثير من الناس قنوط، وسقيت كذلك في الوقت المذكور البلدان التي أمر فيها الوالي بإقامة الاستقاء في اليوم الذي يستسقي في أهل دمشق
ومن ذلك ما ورد أن الظاهر بيبرس لما أراد قتال التتار بالشام أخذ الفتاوى من العلماء بجواز أخذ مال من الرعية يستنصر به على قتالهم، فكتب له فقهاء الشام بذلك فأجازوه.
فقال: هل بقي أحد.
فيقيل له: نعم بقي الشيخ محيي الدين النووي فطلبه فحضر.
فقاله له: اكتب خطك مع الفقهاء فامتنع.
فال: ما سبب امتناعك؟
فقال: أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير (بندقار) وليس له مال، ثم من الله عليك وجعلك ملكا، وسمعت أن عندك ألف مملوك،كل مملوك له حياصة من الذهب وعندك مائتا جارية، لكل جارية حق من الحلي، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلا من الحوائص وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، أفتيتك بأخذ المال من الرعية، فغضب الظاهر من كلامه.
وقال: أخرج من بلدي ـ يعني دمشق.
فقال: السمع والطاعة، وخرج إلى نوى.
فقال الفقهاء: إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدى به، فأعده إلى دمشق.
فرسم برجوعه، فامتنع الشيخ
وقال: لا أدخلها والظاهر فيها، فمات بعد شهر.
مكانة النووي عند علماء الشافعية
يقول الأستاذ عبد الغني الدقر:
هذا وقد أخذ النووي ـ رحمه الله ـ الفقه الشافعي عن كبار علماء عصره كما رأيت ذلك في شيوخه في الفقه، وبفترة وجيزة حفظ الفقه وأتقنه، وعرف قواعده وأصوله، وفهم مخابئه وألغازه، وبرع في معرفة أدلته حتى عرف بذلك بين العامة والخاصة، ثم قفز فتساوى مع شيوخة، ولم بمض كبير وقت حتى كان أعلم علماء عصره وأحفظهم للمذهب وأتقنهم لأقوال علمائه، وأعرفهم بعلم الخلاف وأحقهم بأن يكون: محرر المذهب.
وانتشر في الآفاق، وتعلق الطلبة والعلماء بتأليفه، فانتفعوا بها، وما يزال الناس ينتفعون بكتبه، ويؤثرونها، وهاك طرفا مما قاله العلماء في فقهه.
يقول الإسنوي في طبقاته: وهو ـ أي النووي ـ محرر المذهب، ومنقحه ومرتبه، سار في الآفاق ذكره وعلا في العلم محله وقدره.
ويقول ابن كثير عنه: شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه.
ويقول الذهبي: وكان رأسا في معرفة المذهب.
ويقول قاضي صفد ـ محمد بن عبد الرحمن العثماني ـ في ترجمته من الطبقات الكبرى له عن النووي:
شيخ الإسلام، بركة الطائفة الشافعية، محيي المذهب ومنقحة، ومن استقر العمل بين الفقهاء على ما يرجحه.
ويقول الشهاب أبو العباس بن الهائم في مقدمة البحر العجاج شرح المنهاج:
الإمام العلامة الحافظ الفقيه النبيل محرر المذهب ومهذبه وضابطه ومرتبه.
ويقول تلميذه ابن العطار: كان حافظا للمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه ومذاهب الصحابة والتابعين واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم وما اشتهر من ذلك جميعه وما هجر سالكا في كلها طريقة السلف.
إلى أن قال: وقد يختلف قول الننوي قليلا في كتاب من كتبه عن كتاب فالظاهر أن المرجح هو آخر أقواله، لأن القاعدة أن المتأخر ينسخ المتقدم.
شيوخه وتلامذته رحمهم الله
شيوخه:
¥