تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد استعمل العقبي في أسلوبه الإصلاحي طابع الصراحة التامة ولم يجامل ولم يتسامح مع المعارضين خصوصا في الأمور الدينية، في حين غلب على أسلوب ابن باديس اللين والمرحلية في تعامله مع المعارضين للإصلاح الإسلامي، فبينما جعل ابن باديس همه نشر التعليم والتربية للناشئة وتهيئتها لخوض غمار المستقبل، جعل العقبي همه نشر الإصلاح وتعميقه وتعميمه على الجميع، فكان السلاح الأول خفيا بطيء التأثير، وكان السلاح الثاني ظاهرا سريع التأثير.

إن الاختلاف في النظرة إلى العمل الإصلاحي بين العلماء قد انعكست على كيفية تصدير مبادئ الجمعية إلى المشرق العربي، فابن باديس كان يرى ضرورة طبع وثائق الجمعية وتوزيعها على الحجاج حال توجههم إلى البقاع المقدسة، في حين اعتبر العقبي ذلك تبذيرا لمال الجمعية وأن الإدارة الفرنسية سوف تحجز كل الأوراق التي تحمل اسم الجمعية، وحتى إن ووصلت إلى البقاع المقدسة، فان الحجاج غالبا ما ينشغلون ولا يتبعون نصائح الجمعية، هذا من جهة ومن جهة أخرى كان العقبي يرى أولوية الاهتمام بالداخل على الخارج، ويستدل على ذلك بعدم فاعلية مناشير الجمعية التي وصلت إلى الحجاز من قبل، وأن أصدقاء له بالمدينة المنورة ـ بعدما تحصلوا على وثائق الجمعية ـ تعجبوا لانشغال هذه الأخيرة بمثل هذه الأعمال التي سوف تقلل من اهتمامهم بالإصلاح الداخلي ومحاربة القمار والخمور والفجور.

ومن مواطن الخلاف بين العقبي وبعض رفاقه المصلحين في الجمعية نستشفها من تخلي العقبي عن إدارة جريدة البصائر في سبتمبر 1937 م، وانتقلت الجريدة بعد ذلك من العاصمة إلى قسنطينة مقر طبعها الجديد، والظاهر أن تخلي العقبي عن إدارة البصائر له ما يبرره، وذلك نظرا للعجز المالي الكبير الذي عرفته الجريدة بسبب عدم دفع الاشتراكات لشرائها بانتظام ولم يكن بمقدوره تحمل أعبائها لوحده، وبالنظر من جانب آخر إلى الحالة النفسية التي آل إليها العقبي بعد تداعيات مقتل المفتي كحول، والحرب النفسية التي شنها ضده خبراء الإدارة الفرنسية واتهامه بجريمة التحريض على القتل، تلك الحادثة التي أثرت على عزيمة العقبي.

يتبع ...

ـ[الطيب العقبي]ــــــــ[27 - 07 - 07, 03:12 م]ـ

البرقية المسمومة ... أو القطرة التي أفاضت الكأس

أما القطرة التي أفاضت الكأس وأنهى بها العقبي عهده كعضو في المجلس الإداري لجمعية العلماء فهي قضية البرقية الملعونة ـ كما يحلو للبعض وصفها ـ وقصة هذه البرقية بإجمال واختصار، أن فرنسا أوعزت سنة 1938 م ـ والحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق ـ إلى أحد رجالها ـ ممن يتلبسون بلباس العلم والحكمة ـ أن يجمع قطبي الجمعية ابن باديس والعقبي ويعرض عليهما فكرة جهنمية مفادها:" أنه يليق بجمعية العلماء بمناسبة هذه الظروف أن تبعث برقية باسمها وباسم المسلمين في الجزائر إلى فرنسا تدين فيها الدكتاتورية النازية وتؤيد فيها فرنسا في حربها المحتملة مع النازية" ورأى ابن باديس أن يعرض البرقية على الدورة العادية للجمعية المنعقدة ما بين 23 ـ 25 سبتمبر 1938 م، وكان العقبي يرى أن من المصلحة الوطنية ومصلحة الجمعية، إرسال برقية التأييد هذه، وقد شرح العقبي مغزى ذلك بقوله:" بل أرى إرسال البرقية، وإذا لم تقع الحرب كنا قد تقربنا إليها ـ أي فرنسا ـ ولا بد أن تقوم بمكافئتنا، وإذا وقعت الحرب آمنا شرها وضمنا بقاء نادينا وجمعيتنا" والظاهر أن النقاش قد طال حول البرقية، وعرض ابن باديس البرقية على التصويت في اجتماع المجلس الإداري، وعندما أخذت الأصوات كانت 12 ضد إرسال البرقية مقابل 4 لإرسالها، وانتهى الاجتماع بقرار عدم إرسال البرقية.

وتذكر المراجع أن البرقية قد حررت بعبارات أنيقة ومطاطية، تحتج تارة وتؤيد فرنسا تارة أخرى، وقدمت السلطات الفرنسية البرقية للعقبي لتوقيعها، لكنه رفض ذلك عندما رفض رئيس الجمعية ابن باديس توقيعها، ولعل رفض العقبي توقيع البرقية يعبر عن صدق نيته اتجاه الجمعية ويبعد عنه تهمة التملق للإدارة الفرنسية حسب تعبير ابن باديس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير