تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أخبر الأمير شكيب أرسلان الشيخ الطيب العقبي بولد له سماه "غالبا" رجاء أن يكون له الغلب في تلك الحرب، وقال له:" فأنا ـ والحمد لله ـ "أبو غالب" من الآن"، فضمن الشيخ الطيب العقبي هذا المعنى في قوله:

"أبا غالب" لا زلت في الناس غالبا ** ونجم العدى للشؤم والنحس غاربا

ولا زلت ترقى في المعالي بهمة ** بها تمتطي من صهوة المجد غاربا

...

وأرسل شكيب أرسلان إلى الشيخ الطيب العقبي رسما صغيرا ـ صورة ـ قائلا:" هذا رسم صغير أرسله لك تذكار حب وود" فكتب له الشيخ الطيب هذين البيتين على ذلك الرسم قائلا:

رسم صغير الحجم لكنه ** شكل "أبي غالب" الأكبر

ذكرني لما بدا قوله: ** " ليس على الله بمستنكر"

يشير إلى قول الشاعر القديم:

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد

...

أما في رسمه هو ـ الطيب العقبي ـ فيقول فيه:

رسمي يغيض عدوي حين يبصره ** فزاده الله غيضا حيثما كانا

أما الصديق فلا ينفك مبتهجا ** به، فيذكرني سرا وإعلانا

...

ويقول الشيخ الطيب العقبي في خصومه الذين لا يأبه بهم ولا يقيم لهم وزنا في الحقيقة والواقع:

وإذا الزمان أراد حرا بالأذى ** تخذ اللئام لمبتغاه سلاحا

كم رامني بنكاية فرددته ** وبهم لقد جرح الفؤاد جراحا

ويقول فيهم من أخرى:

عذيري من قوم بغوا وتجاوزوا ** حدودا لقانون يرون إحترامه

يريدون إطفاءا لنور عقولنا ** ويأبى إله العرش إلا تمامه

...

ويقول في الزواج بالأميات غير المهذبات وغير المؤدبات:

ما حياة المرء مع زو ** ج له، ليست أديبة

غير سجن أبدي ** عظمت فيه المصيبه

...

وتذخل شاعرنا ـ العقبي ـ في قضية شائكة بين شاعرين كبيرين قديم وحديث، القديم هو الشاعر الفيلسوف " أبو العلاء المعري " والحديث هو أمير الشعرا " أحمد شوقي".

فالمعري ينعي على أبيه ويلومه انه كان سببا في ميلاده، ومجيئه إلى هذا العالم الظالم المظلم الذي لا خير فيه إلا الشقاء والأسى والحزن والمحن والأزراء، ولذلك تعهد هو ـ المعري ـ ألا يتزوج ويعيش أعزبا في الدنيا، لكي لا يكون سببا في مجيء اطفال وأبناء لهذا العالم المليء بالآفات والموبقات والمقلقات، وبقي كذلك أعزبا حتى مات، وأمر أن يكتب على قبره بعد مماته هذا البيت:

هذا جناه أبي علي ** وما جنيت على أحد

وشوقي لا يرى هذا الرأي بل يعاكسه ويطلب من العقلاء والحكماء أن ينصفوه فيقول شوقي:.

بيني وبين أبي العلاء قضية ** في العلم أسترعي لها الحكماءَ

هو قد رأى نعمى أبيه جناية ** وأرى الجناية من أبي نعماءَ

فتدخل شاعرنا العقبي حكما عدلا في هذه القضية بين الشاعرين فقال:

قد قال شوقي في الحديث مقالة ** في شعره نادى لها الحكماءَ

ردا على شيخ تقادم عهده ** ورآه من جهة البرور أساءَ

فأجبته: لو كنته لعذرته ** أو كان مثلك قوله ما جاءَ

فاشكر أباك فقد حييت منعما ** وأبو العلاء قضى الحياة شقاءَ

فلئن رأى نعمى أبيه جناية ** فلقد أصاب لما به قد باءَ

ولئن ترى أنت الجناية نعمة ** فالحق قولك ما نطقت هراءَ

كل أصاب إذا نظرت لحاله ** والله أنفذ فيكما ما شاءَ

...

وفي الغزل العفيف النظيف يذكر زيارة الطيف في المنام مضمنا بيت شعر لأبي الطيب وهو قوله:

قذفت ماء حياة من مقبلها ** لو صاب تربا لأحي دارس الرمم

فقال العقبي:

محبوبة سكنت قلبي وما برحت ** وذكرها بدل التسبيح ملأ فمي

زارت فراشي على بعد وقد غمضت ** عيني لأقنصها في هجعة الحلم

ومذ وضعت فمي على فمها ** ذكرت قول أبي ... في سالف القدم

"قذفت ماء حياة من مقبلها ** لو صاب تربا لأحي دارس الرمم"

وثابتِ الروح في جسمي فخلت لها ** إني بعثت بعيد الموت من عدم

وكيف لا وهي لو مست بريقتها ** حوت الكليم لغاض الماء في الظلم

ولو رأى المتنبي شمس طلعتها ** لقام من قبره يمشي على قدم

ويقول في مناسبة أخى يشير إلى سحر العيون واثر الجفون:

رب حوراء غضيض طرفها ** من بنات الترك تزهو بالحور

إن أقل: باللحظ قلبي سحرت ** قلت: سحر اللحظ أدهى وأمر

...

ويقول في بعض الآفات الإجتماعية كالخمر والفجور:

شر الورى من عاش طول حياته ** في الخمر منهمكا وفي لذاته

لا يرعوي عن غيه وضلاله ** وإذا انتشى فإلى الشقاء بذاته

أشقى ذويه ووالديه وزوجه ** وبنوه قد تعبوا وكل بناته

قد ضيع الدنيا وأذهب عقله ** والدين أصبح من كبار عداته

إن عاش فهو إلى الضلالة سائر ** أو مات كيف يكون بعد مماته؟

يسطو على جيرانه في سكره ** وإذا صحا لم يأمنوا عثراته

وكفاه من خزي مقالة قائل: ** " لا تصحب السكران في حالاته "

...

ويرد على بعض المناوئين له فيقول:

ألا إنني من خير من أنجب القطر ** أريد، ولكن لا يساعدني الدهر

حنيف أرجي الخير للناس كلهم ** وأهدم بالإسلام ما أسس الكفر

وقد حسب الجهال إني كمثلهم ** وما أنا ممن دأبه الكبر والفخر

وقالوا افتراءا إنني غير مسلم ** وما صدقوا في القول كلا ولا بروا

من مقال للشيخ محمد الصالح رمضان بعنوان" الطيب العقبي الأديب الشاعر" نشر بجريدة البصائر العدد 201

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير