وعلى كل حال فإن عمله الأول كان عبارة عن مقطوعة بعنوان (الأقلام أسلاك المناجاة) (ديوانه ص 546) وهي تعكس بجلاء تأثير الإمام العقبي على الشاعر، وتبرز الدرجة التي كانت تسمو يومئذ إليها مكانته من قلبه، ومما يصور شيئا من ذلك، هذه الأبيات التي يخاطب فيها الشاعر شيخه وصديقه، قائلا:
ياصاحب الطبع اللطيف ومنتج الشـ
ـعر الظريف و "طيب" الأفنان
منذ استمعت رقيق شعرك مرة
أدركت سر تمايل الأغصان
أوعيت أسرار البلاغة كلها
من قبل عن (قس) وعن (سحبان)
أم نلتها قدرا على عهد الصبا
فسكبتها في قالب الأوزان؟
أسست من هذا وذلك مركزا
لك في الجوانح ثابت الأركان
هذا شعوري نحو شخصك هاكه
طي الكتاب ودم مدى الأزمان
وأما ثاني أعماله في الإمام العقبي فهو مقطوعة أيضا تتكون من تسعة أبيات بعنوان (باقة شعر) (ديوانه ص 395). وقد نظمها الشاعر بعد خروج العقبي وصاحبه (عباس التركي أحد المحبين للحركة الإصلاحية، توفي 1983) من السجن وأهداها لهما. وقد أكد في هذه المقطوعة أن ما نال هذين المصلحين من محنة وعسر، إنما هو ابتلاء من الله عز وجل لعباده حتى يمحص من بينهم أهل الحق، من أهل الباطل، كما أشاد بذلك اليوم الأغر الذي أفرج فيه عنهما، مؤكدا أ ن هاذين المصلحين سيظلان رمزين بارزين لكل الداعين إلى الله من بعدهما، يخاطب الشاعر بذلك ذلكما المصلحين قائلا:
خذا لكما عني من الشعر باقة
كذكركما الزاكي تضوع وتعبق
مضت لكما في الدهر أيام محنة
وساعات عسر بالأماثل تلحق
بها يمحص الله المحقين في الورى
ويسحق دعوى المبطلين ويمحق
رعا الله يوما فيه أفرج عنكما
ولا زال في الأيام كالنجم يشرق
ولا زلتما رمزي نجاة وعصمة
لكل امرئ في جانب الله يرهق
يحييكما الله الكريم ورسله
وكل حنيف بالشهادة ينطق.
وأما عمله الثالث في هذا الباب فهو قصيدته (حزب مصلح) (ديوانه ص129)
ويفهم من السياق الوارد بهذه القصيدة وبالكلمة التي قدمت بها في الديوان أن الشاعر نظمها عقب الإفراج عن العقبي وصاحبه، وألقاها في الحفل الذي أقامته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بنادي الترقي لتهنئتهما، وتهنئة الأمة بالإفراج عنهما. وإن أبرز ما يلفت الانتباه في هذا العمل، أن الشاعر لم يركز حديثه عن جوانب شخصية العقبي، كما فعل ذلك في قصائده في ابن باديس، أو كما سيفعل ذلك في عمله اللاحق في العقبي نفسه، وإنما اهتم فيه بالصورة العامة التي تعكس ملابسات الأحداث يومئذ، مما يدل على وعي الشاعر وإدراكه للأهداف الحقيقية التي كان مدبروا تلك المكيدة يتوخونها من ورائها، أولئك الذين لا يستبعد أن يكونوا يستهدفون بها عن طريق المساس بشخصية العقبي توجيه ضربة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ولعل تلك الظاهرة الأسلوبية التي تبدو في ميل الشاعر إلى استخدام ضمير الجماعة في هذه القصيدة، إنما هي دليل من الأدلة على ذلك، يقول الشاعر:
سر مع التوفيق فهو الدليل
حصحص الحق وبان السبيل
عاطني السراء كأسا بكأس
واسقنيها إنها سلسبيل
زال عن موقفنا كل ريب
فهو كالمرآة صاف صقيل
إن قوما بالدم اتهمونا
وزرهم يوم الحساب ثقيل
أو ردونا موردا مسترابا
طعمه مر المذاق وبيل
وابتلونا بالأذى فصمدنا
للأذى والصامدون قليل
ويبدو الأثر القرآني واضحا في لغة هذه الأبيات: ألفاظا وتراكيب (التوفيق حصحص الحق، سلسبيل، ريب،، وزرهم يوم الحساب .. ) ولا يخفى على قارئ الشعر المتذوق له ملاءمة هذه الألفاظ والعبارات للجو النفسي الذي أراد الشاعر أن يصوره من خلالها. ويحسن التذكير في هذا الإطار أن صلة الشاعر بالقرآن الكريم أصيلة وقوية، الأمر الذي ساعده على أن يفيد من توجيهاته أفكارا ومشاعر، ومن بيانه تعبيرا وتصويرا، وذلك على نحو يمكن القول أنه ميز طريقته الخاصة في استخدامه اللغة في صنعته. 1
يتبع
ـ[محمد بن سليمان الجزائري]ــــــــ[04 - 08 - 07, 11:17 م]ـ
بركت أخي
ـ[شعيب الجزائري]ــــــــ[05 - 08 - 07, 05:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربما تدرك افضل مني حال العلماء في الجزائر شمالها وجنوبها منذ عصر الامام المصلح العقبي الى الوقت الحالي وكيف هو حالهم برغم من مكانتهم الجلية تذكر معي الشيخ رفيق درب وعمود جمعية العلماء المسلمين الشيخ الاديب البشير الإبراهيمي كيف كانت حياته بدايتها في وطنه الجزائر ورحيله الى المدينة سنة 1919 وما بذله هناك في سبيل الاسلام والمسلمين ليعود لأرض الوطن الجزائر ليموت وتفارق روحه جسدة في مسكنه المتواجد بالطبق العاشر في احد العمارات على الرغم من مكانته سواء في الجمعية او البلد بأجمعه
الشخ الطيب العقبي وما قدمه لمن كان يتجمع في شوارع العاصمة للقمار والخمور وكيف جمعهم ووحدهم وهذب اخلاقهم حتى اصبحوا من خيرة رجال البلد اتعرف اخي الطيب كيف كان هذا الاصلاح كان بتخلي عن جميع ممتلكاتهم القيمة من دور ولباس ومال والبدأ من الصفر في مهنة التجارة
¥