إلى البصرة، ومنها إلى أصفهان، ثم إلى خراسان.
ورحلة ناصر خسرو هذه التي امتدت ست سنوات من حين حركته من خراسان سنة 437 إلى حين رجوعه في سنة 443هـ حيث حجّ فيها أربع مرات تدل على أهمية مكة والكعبة لديه، وتكشف عن منزلة هذه المدينة المقدّسة لدى مسلم شيعي إيراني فيلسوف وشاعر. وقد شرح الأوضاع في الحرمين وسفر الحج في سفره الرابع، وفي السفر الأول فقط أشار إلى أنّ المطالب المتعلقة بالحج سيذكرها فيما بعد: (لم أشرح مكة والحج هنا، حتى أشرح ذلك في الحج الأخير). ["سفرنامه" ناصر خسرو، تصحيح عني زاده، طهران، منوجهري، ص49].
رحلة ناصر خسرو من الناحية الجغرافية لها أهمية قصوى. ["تاريخ الأدب الجغرافي"، ص286] ويعدّ من المصادر المهمة. وفي الواقع إنّ المعلومات المعروضة في هذا الكتاب قبل أن تكون شبيهة بالرحلات تشبه كتب الجغرافيا.
فعندما يصل إلى مكة في سفره الرابع يبدأ بوصف مكة وصفًا جميلاً جدًّا وجديرًا بالقراءة. وإنّ ما في هذا التقرير يختلف كثيرًا عمّا ورد في سائر الآثار، من حيث إنّ توصيفه للمدينة توصيف دقيق ويشمل الجزئيات لما شاهده بعينه.
هذا الوصف شامل على أقسام:
الأول: وصف مكة المكرّمة (ص97 - 101).
الثاني: وصف أرض العرب واليمن (101 - 103).
الثالث: وصف المسجد الحرام والكعبة (103 - 107).
الرابع: وصف باب الكعبة (107 - 108).
الخامس: وصف داخل الكعبة (108 - 112). السادس: وصف آداب فتح باب الكعبة شرّفها الله تعالى (112 - 114).
السابع: عمرة الجعرانة (114).
ثم يتحدّث عن مسافة الطُّرُق، الأمر الذي يعرف في كتب الجغرافيا بعلم المنازل. ثم يشرح سفره، وتزداد أهمية رحلته بشكل كبير نظرًا لمروره على مناطق من جزيرة العرب.
وأمّا شرحه بالنسبة للمدينة فقبل المطالب السالفة. وقد أشرنا سابقًا إلى أنه في أسفاره الثلاثة الأُوَل كان يأتي من المدينة إلى مكة، وفي إحدى هذه الأسفار يعطي شرحًا عن المدينة المنوّرة (ص83 - 84). وقد كانت فترة إقامته في المدينة يومين؛ ولهذا السبب فإنّ المعلومات التي يقدّمها جدًّا نزرة. ويقول في سبب ذلك إنّ الوقت كان ضيّقًا، فكنت مضطرًّا إلى مغادرة المدينة لإدراك الحج. ["سفرنامه" ناصر خسرو، ص84]. ولديه أيضًا إشارة إلى مسائل الحج ومكة.
وعلى العموم أغنى فصل في رحلة ناصر خسرو هو الفصل الذي يُعطي فيه معلومات عن الحرمين الشريفين.
الزمخشري وجزيرة العرب
أبو القاسم بن عمر الزمخشري، مفسِّر معتزلي، وأديب خوارزم المعروف (ت538هـ)، كان مشهورًا بتفسير القرآن الكريم، وكتابه "الكشاف" له شهرة كبيرة في العالم. يضاف إلى ذلك أنه ممن يشار إليه في العربية واللغة. ويشتهر بجار الله لإقامته بمكة المكرّمة مدة طويلة، وكان لديه صداقة مع شريف مكة أبي الحسن علي بن عيسى بن حمزة بن سليمان الحسني. وكانت ثمار هذه الصداقة هو تأليف كتاب في الجغرافيا بترتيب ألفبائي على غرار كتاب "معجم ما استعجم" للبكري، بعنوان "الجبال والأمكنة والمياه". وبما أنه كتب ذلك في مكة فقدّم تصنيفه ذلك إلى شريف مكة، وقد استفاد من معلومات الشريف كشواهد على ما أورده في الكتاب. وعمدة ما فيه هي حول الأمكنة وجبال جزيرة العرب. د
والمدخل الأوّل لهذا الكتاب هو أبو قبيس الذي قال فيه الزمخشري: الجبل المشرف على الصفا يسمّى برجل من مِذحج كان يُكنّى بأبي قُبيس؛ لأنه أول من بنى فيه، وكان يُسمّى في الجاهلية الأمين؛ لأنّ الركن مستودع فيه عام الطوفان، وهو الأخشبان. ["الجبال والأمكنة والمياه"، تحقيق السيد محمد صادق آل بحر العلوم، نجف، ص7].
وقال في ذيل عنوان الجعرانة: الجعرانة (هكذا بسكون العين وخفّة الراء)، آبار مقتربة، منها أحرم الرسول وفيها مسجد لرسول الله [المصدر السابق، ص37].
وأغلب الأماكن التي عرّفها في هذا الكتاب، وربما أكثر من ثمانين بالمئة منها يتعلق بالمناطق العربية. وكما أشرنا استشهد في بعض الموارد بأقوال من الشريف الذي كان صديقًا له، فعلى سبيل المثال يقول حول العمق:
قال علي: العمق عين بوادي الفُرع، والعمق أيضًا واد آخر يسيل في وادي الفرع يُسمّى عمقين وفيه عين لقبيلة من ولد الحسين بن علي،- رضي الله عنهما -؛ وفي ذلك تقول امرأة منهم جلت من بلدها إلى ديار مصر ... [المصدر السابق، ص110].
¥