تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في اعتقادي أن الأمير عبدالقادر قد تعرض خلال نشأته و مراحل حياته لعدَّة تأثيرات متغايرة بعضها استصحبها من ذاكرته خلال مراحل نشأته المبكرة، و بعضها خلال وجوده في فرنسا، و أثناء سلسلة النقاشات التي كانت تدور بينه وبين وجهاء فرنسا، والشبهات التي كان يوردها عليه كبار المستشرقين، لا سيما أن الفرنسيين كانوا قد حضَّروا لذلك الدرس بكل عناية، إذ كانوا قد تعرفوا على الشخصية الشرقية جيداًُ من خلال الحملة الفرنسية على مصر، لا سيما طريقة التخاطب والتعامل مع مشائخ الطرق الصوفية، مِمَّا قلب كيان الرجل، و غيَّره كل ذلك التغيير و أثر به أيَّ تأثير.

الأمر الأول: أن الأمير كان ذا ثقافة و اطلاع واسعين

و لديه قابلية عجيبة لقبول الآخر مهما بلغ ذلك الآخر من عدائه له بشرط أن يتحد معه في حوار يتخذ الطابع العلمي، و لا يخفى مقدرة الغربيين على قلب الأمور، و ادعاء النزاهة ممَّا قد يؤثر حتى على ذوي العقول الراجحة، ومما حفِظ عن الأمير خلال تلك الحوارات قوله:" لو كان العالم يسمعني لجعلت من المسلمين والمسيحيين إخوةً ولعملنا معاً من أجل إرساء السلام في العالم"، ولعلَّ هذه الجملة كانت هي البروتوكول الذي انتهجه فيما بعد الأمير و التزم به كل الالتزام.

الأمر الثاني: ذلكم البغض الكبير للدولة العثمانية

الذي اكتنفه خلال نشأته، وبعد اخراج الوالي العثماني لأبيه من قريته الى الحجاز، و ما صاحب ذلك من التغرُّب.

وكذلك كون الدولة العثمانية قد تخَّلت عن الجزائر أثناء الحملة الاستعمارية الفرنسية الجائرة عليه، و لم تحرك ساكناً، بل سرعان ما فرَّ الوالي العثماني، تاركاً البلاد و من عليها في حيص بيص، و لا ريب أن العثمانيين كانوا خلال ذلك يتلقون الضربات الخارجية و الداخلية الضربة تلو الأخرى، مما شغلهم عن الدفاع عن بلدان الثغور و الأطراف الاسلامية.

و لذلك فقد كان موقف الأمير عبد القادر من الخلافة العثمانية حين كان في بلده الجزائر موقفاً انفصالياً، فمن الملفت للنظر أن الأمير عبد القادر الذي تولى زعامة المقاومة الشعبية المسلحة في غرب ووسط الجزائر قد تبنى و منذ توليه الإمارة سنة 1832م عَلَما مغايرا للعَلَم الجزائري التابع للدولة العثمانية قبل دخول الفرنسيين الجزائر، إذ اختفى اللون الأحمر كلية و عُوض بالأخضر و رُسمت على رايته يدٌ مبسوطة أحيطت في شكل نصف دائري بالعبارات التالية:

"نصر من الله وفتح قريب". ناصر الدين عبد القادر بن محي الدين

.أما توزيع الألوان على هذا العلم فقد كان على النحو التالي:

أعلاه و أسفله كانا أخضرين، و أما وسطه فكان ابيضا.

و لم يكن ظهور هذا العلم بمحض الصدفة في هذه الفترة بل كان يرمز إلى استقلال سياسي عن الدولة العثمانية، فكانت بذلك من أوائل الحركات الانفصالية التجزيئية التي أعلنت الخروج على الخلافة الاسلامية العثمانية.

و قد عاد الأمير ليكمل ذلك الدور في بلاد الشام، فقد كانت الجمعية الماسونية قد أخذت على عاتقها محاربة الخلافة العثمانية لكونها كانت تقف سدا منيعا أمام الأطماع العالمية في العالم العربي و الاسلامي، ولذلك فقد حاولت الجمعية آنذاك بتدبيرٍ من الأمير عبد القادر الجزائري رئيس المحفل السوري الماسوني آنذاك اغتيال متصرف جبل لبنان العثماني للإستقلال عن الدولة العثمانية.

الأمر الثالث = نشأته الصوفية:

لإذ أن الأمير تربَّى في بيئة صوفية، بل قد نشأ على تقديس يصل إلى حد الجنون لشخصية ابن عربي الحلولي الاتحادي، و أمثاله من الاتحادية الحلولية كالحلاج والتلمساني و ابن الفارض وغيرهم.

بل قد أتمَّ الأمير تدريس كناب الفتوحات لابن عربي على طلبته مرارا، و ألف كتابه "المواقف" على مذهب ابن عربي، بل و قد اختار السكنى في دمشق لكونها بلد ابن عربي الذي أقام فيه، ويقال أنه سكن في نفس البيت الذي عاش فيه ابن عربي بعد أن قام بإصلاحه، و دُفِن ـ أيضاً ـ بجوار ابن عربي.

و قد تواتر عنه أنه كان يشتري كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية بأغلى الأثمان ليحرقها، و ذلك أنهم كانوا يفتون بكفر ابن عربي، كما يؤججون روح الجهاد في الشارع المسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير