تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيهما: أن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف في القرآن، ولا نقصان حرفٍ منه، وما بين الدفتين كلام الله ?، فإذا كان النَّبِيّ ? أثبت ألف (الرحمن) و (العالمين) مثلاً، ولم يزد الألف في (مائة)، ولا في (لأاوضعوا)، ولا الياء في (بأييدٍ) ونحو ذلك، والصحابة عاكسوه في ذلك وخالفوه، لزم أنهم -وحاشاهم من ذلك- تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقصان، ووقعوا فيما أجمعوا هم وغيرهم على ما لا يحلُّ لأحدٍ فعلهُ، ولزم تطرُّق الشكِّ إلى جميع ما بين الدفتين؛ لأنا مهما جوزنا أن تكون فيه حروف ناقصة أو زائدة على ما في علم النَّبِيّ ?، وعلى ما عنده، وأنها ليست بوحيٍ، ولا من عند الله، ولا نعلمها بعينها -شككنا في الجميع.

ولئن جوزنا لصحابيٍ أن يزيد في كتابته حرفًا ليس بوحيٍ، لزمنا أن نجوز لصحابي آخر نقصان حرف من الوحي؛ إذ لا فرق بينهما، وحينئذٍ تنحل عروة الإسلام بالكلية. [2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn2)

وأما دعوى ابن خلدون -رحمه الله- أن الصحابة ? لم يكونوا يحكمون الخط، فمبنيٌّ على آثار غير ثابتة أن أهل مكة إنَّما تعلموا الخط من أهل الحيرة، وأن ذلك كان قبيل بعثة النَّبِيّ ?، ولا يثبت ذلك من حيث السند. [3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn3)

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخط توقيفيٌّ، [4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn4) وعليه فلم يكن العرب حديثي عهدٍ بالخط زمن بعثة النَّبِيّ ?، وبِهذا يتبين عدم ثبوت ما ادعاه العلامة ابن خلدون.

قال ابن فارس: الذي نقوله فيه: إن الخطَّ توقيفٌ، وذلك لظاهر قوله ?:} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ! الَّذِي علَّم بالقَلَمِ! علَّم الإنسانَ ما لَم يعلم}، [5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn5) وقال -جلَّ ثناؤه: {ن والقلم وما يسطرون} [6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn6)، وإذا كان كذا، فليس ببعيدٍ أن يوقف آدم ?، أو غيره من الأنبياء -عليهم السلام- على الكتاب. [7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn7)

وذهب بعضٌ آخر إلى أن الكتاب العربي وضع زمن إسماعيل ?، فقد أخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق عكرمة عن ابن عباس، قال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل. [8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn8)

كما أن دعواه اضطرابَ الصحابة في كتابة المصاحف، ومخالفتهم ما اقتضته صناعة الخط بغير مسوغٍ، فهي اتِّهام لهم بالبلادة وعدم الفهم، كما أسلفنا.

ودعواه -رحمه الله- أن السلف من التابعين ومن بعدهم إنَّما اقتفوا أثر الصحابة في كتابة المصاحف لِمجرد التبرك اتِّهامٌ للأمة جميعها بالتقليد الأعمى، وعدم النظر لِما يصلح دينها.

ومن الواضح البيِّن عدم إصابته -رحمه الله- في ادعاء أن عدم إجادة الخط ليس نقصًا، كيف ذلك، والعقلاء متفقون على أن الأمية نقصٌ يتنَزه عنه عوام الناس، فضلاً عن علمائهم.

وإنَّما لم تكن الأمية نقصًا في حق نبينا ? لِما أنَّها كانت آية صدقه، إذ مع كونه أميًّا، كان قد حاز من العلوم ما لم يصل إليه غيره من البشر، فكان النقص في حق غيره علامة كمالٍ في حقه ?،ـ[9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn9) وتبقى الأمية في حق بقية البشر نقصًا يتنَزه عنه عقلاؤهم.

قال العلامة المارغني معرِّضًا بابن خلدون في رأيه هذا: وقد بلغ التهوُّر ببعض المؤرخين إلى أن قال في مرسوم الصحابة ما لا يليق بعظيم علمهم الراسخ، وشريف مقامهم الباذخ، فإياك أن تغترَّ به. [10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=57#_ftn10)

وأما كلام القاضي الباقلاني فيناقش أيضًا بأن أدلة الجمهور القائلين بوجوب اتباع الرسم العثماني بعضها من السنة، وبعضها من إجماع الصحابة، وهذا يردُّ دعواه عدمَ الدليل على وجوب اتباع رسم المصاحف العثمانية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير