3 - وذكر من كلّ جنس نصفه، فمن حروف الحلق: (الحاء والعين والهاء)، ومن أقصى اللّسان (القاف والكاف)، ومن حروف الشّفة (الميم) ومن الحروف المهموسة (السّين والحاء والكاف والصّاد والهاء)، ومن حروف الشدّة (الهمزة والطّاء والقاف والكاف)، ومن المطبقة (الطّاء والصّاد)، ومن حروف الجهر (الهمزة والميم واللاّم والعين والطّاء والقاف والياء والنّون)، ومن حروف الاستعلاء (القاف والصّاد والطّاء)، ومن المنخفضة-أي: حروف الاستفال- نصفها (الهمزة واللاّم والميم والرّاء والكاف والهاء والياء والعين والسّين والحاء، والنّون)، ومن حروف القلقلة (الطّاء والقاف).
4 - ذكر حروفا مفردة، وما تكوّن من حرفين، وما تكوّن من ثلاثة، وما تكوّن من أربع، وما تكوّن من خمس، لأنّ تراكيب الكلام على هذا النّمط ولا يزاد على خمسة أحرف أبدا.
5 - كلّ سورة بُدِئت بحرف واحد منها، فإنّ أكثر كلماتها وحروفها مماثل له، فحقّ لكل سورة منها أن لا يناسبها غير الواردة فيها، فلو وضع ق موضع ن لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله، وسورة (ق) بدئت به لما تكرّر فيها من الكلمات بلفظ (القاف) من ذكر القرآن، والخلق، وتكرير القول ومراجعته مرارًا، والقرب من ابن آدم، وتلقّي الملكين، وذكر الرّقيب والقرين والسّائق والإلقاء في جهنّم، وإلقاء الرواسي، وبُسُوق النّخل، والرّزق، وذكر القوم، والتقدّم بالوعيد، وذكر المتّقين، والقلب، والقرون، والتّنقيب في البلاد، وتشقّق الأرض، وإحقاق الوعيد، وغير ذلك
واشتملت سورة (ص) على خصومات متعدّدة، فأوّلها خصومة النبيّ صلى الله عليه وسلّم مع الكفّار، وقولهم: ((أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا))، ثمّ اختصام الخصمين عند داود، ثمّ تخاصم أهل النّار، ثمّ اختصام الملأ الأعلى، ثمّ تخاصم إبليس في شأن آدم، ثمّ في شأن بنيه وإغوائهم.
6 - و (الم) جمعت المخارج الثّلاثة: الحلق واللّسان والشّفتين على ترتيبها، وذلك إشارة إلى البداية الّتي هي بدء الخلق والنّهاية التي هي بدء الميعاد والوسط الذي هو المعاش من التشريع بالأوامر والنّواهي، وكلّ سورة افتتحت بها فهي مشتملة على الأمور الثلاثة. قال ابن القيّم: " فتأمّل ذلك في البقرة، وآل عمران، وتنزيل السّجدة، وسورة الرّوم ".
7 - وسورة الأعراف زيد فيها الصّاد على (الم) لما فيها من زيادة شرح القصص كقصّة آدم فمن بعده من الأنبياء، ولما فيها من ذكر ((فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ))، وزيد في (الرّعد) راء، لأجل قوله: ((رَفَعَ السَّمَوَاتِ)) ولأجل ذكر الرّعد والبرق وغيرهما.
قال ابن القيّم: " فليتأمّل اللّبيب الفطن .. وهذه قطرة من بحرٍ من بعض أسرار هذه الحروف ".
انظر " بدائع الفوائد " (3/ 692، 693).
(تنبيه)
ممّا سبق يتبيّن أنّ (طه) و (يس) من الحروف المقطّعة أيضا، وأنّ من الأخطاء الشّائعة اعتبارَ النّاس ذلك من أسماء النبيّ صلى الله عليه وسلّم، لأنه لم يرد لا في كتاب الله ولا في سنّة صحيحة أنّ (طه) اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلّم.
ربّما تعلّقوا بقوله تعالى: ((طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى)) على أنَّ (طه) هنا منادى، و ((يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3))) وأنّ (يس) هنا منادى أيضا! وهذا بعيد جدّا، من وجوه:
1 - أنّها من الحروف المقطّعة كما بيّنّاه.
2 - أنّ من المقرّر أنّ أسماء الله تعالى وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلّم مطابقة للمسمى في المعنى. قال ابن القيم: " وهذا شأن أسماء الرب تعالى، وأسماء كتابه، وأسماء نبيه، هي أعلام دالّة على معان هي بها أوصاف، فلا تُضَادُّ فيها العلميةُ الوصفَ، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين .. " [جلاء الأفهام (1/ 171)].
فمن أسماءه تعالى "الرحمان" و"العزيز" و"القهار" وكلها ذات معنى هو صفة له تعالى، ومن أسماءه صلى الله عليه وسلّم "نبيّ الرحمة" و"نبيّ الملحمة" و"الحاشر" و"القاسم" وكلّها ذات معنى هو صفة له صلى الله عليه وسلّم. فإذا تقرر هذا، فما معنى" طه"؟
3 - أنّنا لم نسمع عن أحد من الصّحابة ولا من التّابعين أنّه سمّي بـ: طه أو يس، ممّا يدلّ على أنّ السّلف ما عتبروا هذين من الأسماء.
أمّا (يس)، الّذي صار علما على كثير من النّاس، فنراهم ربّما تعلّقوا بقوله تعالى: ((سَلاَمٌ عَلىَ إلْ ياَسِينْ))، فاعلم أنّه " إلياس" عليه السّلام، زيدت عليه النّون لأنّه أعجميّ، وهذا ما تفعله العرب، كما قيل في "طور سيناء": طور سينين، وقالوا عن إدريس (إدريسين)، بل يتوسّعون في أكثر من ذلك فيزيدون في نحو: ميكال فيقولون (ميكائيل)، وغير ذلك.
وقد يقولون أيضا (أَلياس) و (ألياسين).
1وقد ذكر السّيوطي في " الإتقان " أنّه ذكر الحكمة من ذلك في كتابه " أسرار التّنزيل ".