تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان من طريقها.

وليس المقصود هنا بحث مسألة إصابة ابن بصخان أو خطئه في هذه المسألة (فمن الواضح أن الصواب مع الجمهور)، لكن المهم هو المنهج الذي سلكه بغض النظر عن صواب أو خطإ النتيجة التي توصل إليها، وهذا المنهج هو منهج تحريري صرف؛ لأن ابن بصخان، رأى أن هذا الوجه الذي لم يذكره الشاطبي هو لازم له لأنه موافق لطريقه في رأي ابن بصخان، وهذا ما يفعله كل المحررين.

فإذا قارنا مثلا بين هذا التحرير الذي قام به ابن بصخان هنا، وبين تحرير الإمام المتولي لسكت إدريس، نجد أن كل واحد من الرجلين ألزم صاحب المتن بوجه نفاه صاحب المتن؛ فالشاطبي نص على إظهار الراء المفتوحة التي قبلها ساكن في قوله (البيت: 150):

وفي اللام راء وهي في الرا وأظهرا إذا انفتحا بعد المسكن منزلا

وابن الجزري في الدرة نص على عدم السكت لخلف من روايتيه في قوله (البيت: 37):

من استبرق طيب وسل مع فسل فشا وحقق همز الوقف والسكت أهملا

وكلا الرجلين خالف جميع معاصريه ومن قبلهم في المسألة، كما يقول الشيخ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى (تأملات حول تحريرات العلماء للقراءات المتواترة: 47): "وجميع شراح الدرة القدامى فسروا النظم على ظاهره بدون تحقيق الرواية الصحيحة ( .. ) حتى جاء ابن الجزري الصغير وخاتمة المحققين محمد المتولي وأثبت في الروض النضير (مخطوط) ما معناه: أن ابن الجزري لا وجه له في منعه السكت".

الفرق الوحيد بين هذين المحررين هو أننا نعرف الحجج التي اعتمد عليها المتولي في تحريره؛ لأنه كتبها هو بنفسه، وأخذها عنه أتباعه، أما ابن بصخان فلم يكتب هو نفسه رسالة خاصة في الموضوع، وإن كان من الجائز أن يكون قد عالجه في شرحه على الشاطبية، وقد ذكر هذا الشرح ابن الجزري في ترجمة ابن بصخان في الغاية، ولكني لم أقف على ذكر لهذا الشرح في عصرنا لا في عالم المطبوعات ولا في عالم المخطوطات. ولم يذكر المؤرخون الذين كتبوا في الموضوع (الذهبي وابن الجزري وابن حجر) ما يمكن أن يستشف منه الدليل الذي اعتمده ابن بصخان، ولم يذكروا وقائع هذه المناظرة، مع الأسف الشديد، ولم يهتم أحد من المتأخرين بخلاف ابن بصخان في هذه المسألة، وكأنهم رأوا أنه خلاف ليس له حظ من النظر:

وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر

وفي ظل هذه الظروف لا يمكن أن نعرف الدليل الذي اعتمده ابن بصخان في تحريره هذا، ولكن لا أظن أن إماما من أئمة القراءات كابن بصخان يمكن أن يقدم على القول في كتاب الله بغير علم، أو يعتمد على مجرد رأيه في إثبات القراءات، بل لا بد أن يكون قد اعتمد على شبهة قوية عنده, وابن بصخان إمام من كبار أئمة هذا الشأن، وقد أثنى عليه ابن الجزري في ترجمته في غاية النهاية، ومن ما قال في ترجمته: "ولما خلت المشيخة الكبرى بتربة أم الصالح عن الشيخ التونسي، وليها من غير طلب منه، بل لكونه أعلم أهل البلد بالقراءات عملاً بشرط الواقف"، وأثنى عليه في النشر وامتدح تجويده وحسن صوته (انظر: النشر: 1/ 213)، واعتمد تحقيقه في مسألة تفخيم الألف بعد حروف التفخيم، وذكر ثناء أبي حيان عليه (انظر: النشر: 1/ 215 - 216).

ولكن ما هي هذه الشبهة التي اعتمد عليها ابن بصخان في هذه المسألة؟ هنا تتعدد الاحتمالات ولا يملك الباحث إلا الظن والتخمين؛ فقد يكون لابن بصخان مذهب خاص به في التحريرات، والمحررون ليس لهم منهج موحد كما هو معروف، ولذلك يختلفون فيمنع هذا ما يجيزه ذلك، وقد يكون ابن بصخان رأى أن الداني والشاطبي قد نسبا الإدغام الكبير إلى أبي عمرو بكماله لا إلى رواية بعينها ولا إلى طريق بعينها من رواياته وطرقه، فربما رأى ابن بصخان أنه يجوز في هذا الباب خاصة لأبي عمرو أن يقرأ بكل ما ورد عنه سواء أكان عن الدوري أم السوسي أم غيرهما من رواة أبي عمرو، وسواء أكان من طرق الداني أم من غيرها. وإدغام هذا الحرف قد ورد عن أبي عمرو، قال ابن الجزري (النشر: 1/ 292): "وأجمعوا على إظهارها إذا فتحت وسكن ما قبلها نحو: "الحمير لتركبوها"، و"البحر لتأكلوا" و"الخير لعلكم" "إن الأبرار لفي نعيم" إلا ما روي عن شجاع ومدين من إدغام الثلاثة الأول". ولا ننس أن بعض المحررين أباح لنفسه الخروج عن الطريق في بعض الحالات، كمسألة التكبير مثلا، يقول النوري (غيث النفع: 386): "جرى عمل شيوخنا وشيوخهم في هذا التكبير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير