تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أحمد بن محمد فال]ــــــــ[20 Jun 2010, 05:02 ص]ـ

الوقفة الثانية

وأما قوله ((إن الجمود والانحطاط في علم القراءات بدأ مبكرا جدا بمنعطفين اثنين: أولهما: تمسك القراء بعد جيل التابعين بلغات العرب ولهجاتها، التي وسعتها الأحرف السبعة المنزلة تخفيفا على العرب الأميين، ولا يخفى انقراض الذين احتج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه أنهم لا يطيقون القراءة بلغة قريش وحدها، إذ لم يمض جيل الصحابة فضلا عن التابعين حتى لم يعد في الجزيرة قبيلة متقوقعة لا تعرف غير لغتها إذ وقع الاختلاط ونفر الرجال إلى الجهاد خارج الجزيرة، وتأثر جميع العرب بالعجم مما يعني تأثر العرب بعضهم ببعض قبل ذلك، وبعد انقراض جيل الصحابة لم يعد من قبائل العرب من لا يستطيع غير تخفيف الهمزة أو غير الإدغام الكبير أو غير قراءة نحو (حيل، سيق، قيل) بإشمام أوائلها الضم، أو غير قراءة ذوات الياء بالإمالة الخ، وكم رأينا من القراء والمتعلمين العرب من لا يطيق التفرقة بين قسمي الإمالة ولا النطق ببين بين ولا الروم والإشمام منذ انقراض جيل التابعين إلى يومنا هذا، قال القاضي أبو العلاء في غايته ومن لم يمل عنه يعني عن أبي عمرو فعلى على اختلاف حركة فائها وأواخر الآي في السور اليائيات وما جاورها من الواويات فإنه يقرأ جميع ذلك بين الفتح والكسر، وإلى الفتح أقرب، قال ومن صعب عليه اللفظ بذلك عدل إلى التفخيم لأنه الأصل انتهى من النشر2/ 54. قلت يعني التفخيم الفتح الخالص وهو صريح فيما ذهبنا إليه من ضرورة قراءة القرءان باللغة الفصحى الخالية من اللهجات)).ه، فنجمل الكلام عليه فيما يلي:

أما قوله ((إن الجمود والانحطاط في علم القراءات بدأ مبكرا جدا بمنعطفين اثنين الخ .. ))

فيجاب عنه بأن تمسك القراء بعد جيل الصحابة والتابعين بلغات العرب ولهجاتها ليس دليلا على الجمود والانحطاط في علم القراءات، لأن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، فلا مجال فيها لرأي ولا اجتهاد، فعلي المؤلف أن يبحث عن دليل يستدل به على إثبات هذه الصفة التي لايستساغ إطلاقها على علم من أقرب العلوم صلة بكتاب الله تعلى.

وأماتقيد رخصة تعدد الأوجه بالعرب الأميين، فهو أمرليس بلازم، وإن كان الذين عاصروا نزول القرءان من العرب مقصودون بالتيسير بدرجة أولى، إلا أن التيسير يشمل غيرهم ممن لم يلحقوا بهم من الأمم، فأيهما أقرب إلى التيسير؟ أن يحمل الناس عربا وعجما على وجه واحد من أوجه القراءة؟ أو تترك لهم حرية الاختيار في القراءة بما صح من القراءات التي تمسك بها جيل التابعين الذين تلقوها تلقيا عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وشاهد ذلك أن شعوبا كثيرة تشارك عرب الجاهلية في صفة الأمية، وتلك الشعوب مشمولة بشريعة القرءان ومتعبدة بتلاوة حروفه، وقد يكون منها من لا يستطيع غير تسهيل الهمز بالمعنى العام للتسهيل، أولا يستطيع غير الإدغام أو نحو ذلك الأوجه التي تواترت بها القراءة، زد على ذلك أن اللهجات العربية فيها تداخل مع لغات الشعوب المجاورة لبلاد العرب، وبذلك تكون قاعدة التيسير أعم من أن تكون خاصة بالعرب الأميين.

وأما التسهيل البيني، والروم والإشمام والتفريق بين نوعي الإمالة، فليس من أمهات المستحيل، ولا يمكن أن يكون كذلك، لأنه من الأوجه التي تواترت بها القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه، داخل في حيز قوله تعلى (ولقد يسرنا القرآن للذكر).

وإما القراء والمتعلمون العرب الذين رءاهم المؤلف واستدل بعدم قدرتهم على تحقيق تلك الصيغ،فليسوا حجة على قراءات التنزيل، والشيء الذي نؤكده هنا أنه ليس بين معرفة ذلك وعدمها إلا رياضة اللسان والتلقي عن أهل الشأن،،ولا يزال يوجد في هذه الدنيا أناس كُثرٌ يحكمون النطق بتلك الصيغ كما أنزلت من عند الله، وسيبقى وجود مثل هؤلاء في مختلف الأعصار والأمصار إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن ذلك من لوازم حفظ القرءان الذي تكفل الله به، وقد تشرفنا بلقاء بعض هؤلاء في هذه الصحراء القصوى وفي المدينة المنورة، وبلغنا خبرهم في المغرب و مصر والشام والعراق واليمن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير