ـ[الحسن محمد ماديك]ــــــــ[26 Jun 2010, 02:40 ص]ـ
الإخوة:
إنما المشقة في إكراه القبائل العربية المتقوقعة على ترك لهجتها كالإدغام والإمالة والترقيق والتفخيم والتسهيل، للنطق بلهجة أخرى لم تعرفها من قبل، أما الخلاف خارج اللهجات كالذي استشهدت به في سورة الفرقان المنحصر في زيادة حرف ونقصان آخر وفي النون والياء وفي الغيب والخطاب وفي التأنيث والتذكير فلا مشقة فيه ولا تيسير على الأمة ولا على الغلام والعجوز والأمي وهو ينطق بالغيب في هذه الكلمة أو بالخطاب فيها، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى برهان.
وليست وجوه النطق التي عددتها في سورة الفرقان وغيرها ترجع لطريقة النطق والقراءة إذ لا يقع ذلك إلا على اللهجات أما الخلاف بزيادة حرف أو أكثر وبالتشديد والتخفيف وبالغيب والخطاب ونحوه فلا علاقة له بالتخفيف والتيسير ورفع المشقة.
وأجزم أن الصحابة الكرام لم يكن بعضهم ينكر على بعض قراءته بالإمالة بدل الفتح ولا القراءة ببيين بين في الهمز بدل التحقيق وإنما كان الخلاف بينهم كالذي مثلت له في سورة وكالقراءات الأربع في حرف غافر " أو أن يظهر في الأرض الفساد ".
وأعجب للمتأخرين الذين قطعوا بأن الخلاف من قبيل الأداء أنه من المراد بالأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن وكان السلف رضي الله عنهم من أمثال الداني وابن الجزري وما بينهما يعلنون الاحتمال والظن ويستشكلون المسألة كما أوردت نماذج من كلامهم ولم يجزموا او يقطعوا برأي، ولأنا أقل منهم علما وشأنا وأبعد عن الجزم والقطع بصحة رأيي واجتهادي وإنما عرضته على أنه محتمل كذلك ولن يستطيع معترض عليّ الإتيان بمقتضى الجزم بصحة رأيي واجتهادي في كلامي، إلا أن يضيق المعترضون المخالفون بنشر رأي رأيته أي يحجرون على أدوات العلم أن تتدبر وتعقل.
وأما الاستشكال: ما دخل هذه الموعودات بالمشقة الناتجة من قراءة القرآن ـ أي الأداء العملي ـ؟
فأجيب عنه بقولي: هكذا صرف النبي الأمي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن الانشغال بتعدد الأداء المنزل إلى الغاية القصوى التي لأجلها أنزل القرآن وهي تدبره الذي يهديهم إلى استنباط الأحرف أي المعاني السبعة التي أنزل عليها القرآن، وليقرأنّ بحرف منها على الأقل من قرأ ما تيسّر من القرآن.
وعلم الله علام الغيوب أن الأمة لن تحصي معاني القرآن كما في قوله تعالى ? علم أن لن تحصوه ? يعني القرآن علم الله علام الغيوب أن لن تحصي الأمة كلها من أولها إلى آخرها معانيه ودلالاته رغم تكليفها بتدبر القرآن فكان تقصيرهم ذنبا تاب الله على الأمة منه وكلفهم بقراءة ما تيسر منه القرآن وعذرهم الله بسبب قصورهم عن إحصاء معاني القرآن إذ علم أن سيكون منهم مرضى عاجزون عن قيام الليل والتفرغ لتلاوة القرآن وتدبره وأن سيكون منهم من يضربون في الأرض يبتغون من رزق الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله، وأنى للثلاثة أن يتمكنوا من قيام الليل قياما ثقيلا لتدبر القول الثقيل، ولكأن الأمة كلها عبر التاريخ لو امتثلت قيام الليل وتدبر القرآن لكانت أقرب إلى أن تحصي معانيه ودلالاته وتاب الله عليهم لأن منهم أصحاب الأعذار المعدودين في سورة المزمل.
إن في القرآن معاني وموعودات وغيبا آمن به جملة من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أي أرسله بالقرآن إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.
ولن يحصي تلك المعاني تفصيلا إلا من هداه الله بالقرآن إليها، وحسب الناس قديما وحديثا عبر التاريخ الإسلامي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن تلك المعاني كلها ويستشهدون بقوله تعالى ? وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون ? النحل 44
ولقد بيّن النبي الأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ما نزّل إليهم وهو القرآن فكان كلما نزل عليه من القرآن قرأه عليهم وأمر بكتابته وأن يجعل في السورة كذا بعد الآية كذا ونهي أن يكتب عنه شيء غير القرآن لئلا يختلط بالقرآن، وتلا عليهم القرآن وسمعوه منه وأقرأهم إياه فذلك ما كلّف به النبي الأمي صلى الله عليه وسلم من بيان القرآن وتعليمهم أن المقروء كذا وكذا هو القرآن المنزل إليهم، وكلفت الأمة كلها بعد ذلك بالتفكر في القرآن كما هي دلالة قوله ? ولعلهم يتفكرون ? النحل 44، وكلفوا بتدبر القرآن العظيم كما في قوله ? أفلا يتدبرون القرآن ?
¥