تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الطيبة "لم تخلق لهذا"؛ كما قالت البقرة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: "وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث. قال الناس: سبحان الله! قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب. رضي الله عنهما" متفق عليه. [رواه البخاري برقم: [3463] ومسلم برقم: [2388].

فإذا كانت البقرة لم تخلق للركوب وحمل المتاع عليها، فإن الطيبة أيضا لم تخلق لتحرير الطرق؛ ولذلك فإن المحررين لم ينجحوا في تحريرها حتى الآن؛ لأنهم أرادوا منها ما لم يرده ناظمها، ولا يزال الخلاف بين المقرئين قائما حول مسوغات وجود علم التحريرات، ولا يزال المحررون يحاولون تحرير طرق الطيبة، ولا يزالون مختلفين حول تحرير طرقها في المناهج والوسائل والمسائل.

ليس من المقبول كذلك أن يقال إن ابن الجزري قد نظم الطيبة لاختصار القراءات أو تيسيرها؛ لأن هذا الاختصار المفترض هو مخل جدا، ويجعل الطيبة عديمة الجدوى، فلو أن طالبا حفظ الطيبة بدون تحريراتها فإنه لا يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق القراءات؛ بل لا بد لحافظ الطيبة لكي يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق القراءات أن يحفظ متون التحريرات، وهي متون طويلة بعضها قريب من طول الطيبة أو أطول منها، وهنا لا يبقى محل لفرضية الاختصار. يقول د. إبراهيم الدوسري (الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 366): "لذا لو حفظ الطالب الطيبة كلها عن ظهر قلب لم يمكنه أن يقرأ القراءات بمضمنها؛ نظرا لتشعب الطرق، بخلاف الشاطبية والدرة كما تقدم. فلا سبيل إذن إلى القراءة بمضمن الطيبة إلا عن طريق تخليص القراءات المختلف فيها من التركيب، وذلك بنسبة الطرق إلى أصحابها وهو ما يسمى بـ (التحريرات)، وبمعرفتها يسلم القارئ من الخلط والتلفيق الممتنعين رواية". وحفظ متن الطيبة ومتون تحريراتها وفهم كل ذلك وتطبيقه لا يتأتى إلا لقلة قليلة جدا من الناس؛ لأن معناه باختصار: أن نرجع الطيبة إلى أصولها ونقرأ بطرق ستة وثلاثين كتابا متفرقة، وذلك مناف تماما للاختصار والتيسير، يقول الشيخ محمد تميم الزعبي (في مقدمة طبعته من الطيبة: 11): "فإنه لم يبق في هذه الأيام من يقرأ القراءات بهذا الطريق مع التحقيق والإتقان والبحث والتدقيق إلا القليل، وأكاد أقول: لا يبلغ عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، وإن كثر الأدعياء في هذا الزمان".

فإذا افترضنا أن ابن الجزري لم ينظم الطيبة لكي يقرأ بمضمنها، فلماذا نظمها إذن؟

يبدو من صنيع ابن الجزري أنه نظم الطيبة لهدفين اثنين:

الهدف الأول:

تسهيل الجمع بين القراءات؛ فإذا لم تكن الطيبة قد حررت طرق القراءات، فإنها على الأقل قد جمعت الوجوه المقروء بها، فإذا كانت مثلا لم تحرر أي طرق قالون تسكن هاء "يمل هو" وأي طرقه تضمها، فإنها على الأقل قد جمعت الوجهين اللذين قرأ بهما قالون في هذه الكلمة؛ فكأنما تقول لنا: "لم يقرأ قالون في جميع طرقه بأكثر من هذين الوجهين"، وإن كانت لم تنسب كل واحد من الوجهين إلى طريقه. وهذا ما يحتاج إليه الطلاب المتأهلون في جمعهم للقراءات؛ فهم يريدون أن يقرؤوا على الشيخ أو يعرضوا عليه كل الوجوه، حتى يحصلوا على الإجازة، ولا تهمهم في حالة الجمع نسبة الوجوه إلى طرقها، والشيوخ لا يكلفونهم أن يفردوا كل طريق على حدة، إذا كانوا قد جمعوا على شيخ معتبر، كما يقول ابن الجزري (النشر: 2/ 196): "نعم كانوا إذا رأوا شخصا قد أفرد وجمع على شيخ معتبر وأجيز وتأهل، فأراد أن يجمع القراءات في ختمة على أحدهم لا يكلفونه بعد ذلك إلى إفراد؛ لعلمهم بأنه قد وصل إلى حد المعرفة والإتقان". فالطالب الذي قرأ على الشيخ بالوجوه التي في الطيبة، يكون قد نجح في مهمته، وهكذا يكون الهدف الأول من أهداف تأليف الطيبة، هو تسهيل الجمع بين القراءات للطلاب المتأهلين. فإذا جمع بها الطلاب وقرؤوا بكل وجوهها مجملة، صار بإمكانهم بعد ذلك - لأنهم متأهلون - أن يرجعوا إلى الطرق فيحرروها؛ فإذا وقفوا على التبصرة مثلا كان بإمكانهم أن يقرؤوا بطريقها محررة، وإذا وقفوا على التذكرة، صار بإمكانهم أن يقرؤوا بطريقها محررة، كذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير