ـ[أحمد كوري]ــــــــ[26 Jul 2010, 02:37 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
فضيلة الشيخ د. محمد الأمين، وفضيلة الشيخ طه محمد عبد الرحمن، جزاكما الله خيرا على المشاركة والاهتمام والإفادة، وشكرا جزيلا لكما.
هذه الأسئلة التي طرحتماها هي أسئلة في صميم التحريرات، وقد كثر الجدل حول هذا الموضوع، وليس من حقي أن أفتات بالجواب عنه؛ لأن في منتدانا هذا وفي غيره من العلماء والمقرئين الأجلاء من هم أولى مني بحل هذه الاستشكالات، قال يحيى بن معين: "الذي يحدث ببلد به من هو أولى بالتحديث منه أحمق، وإذا رأيتني أحدث ببلد فيها مثل أبي مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق"!!
لذلك فإننا جميعا نوجه هذه الأسئلة إليهم ليفتونا مأجورين، جزاهم الله خيرا.
ومساعدة مني على تنظيم البحث والحوار في هذه المسألة، سأبدأ – على سبيل المذاكرة - بطرح "ورقة عمل"، كأوراق العمل التي تقدم عادة إلى المؤتمرات ليتخذ كل مؤتمِر منها موقفا، مخالفة أو موافقة أو تعديلا:
سبب كثرة الطرق:
صحيح أن الطرق كثيرة في القراءات، لكن كثرة الروايات لا تستلزم كثرة المروي، خصوصا في الفرش؛ فقد اختار ابن الجزري مثلا قراءة نافع من أربع وأربعين ومائة طريق، ولكن ليس معنى ذلك أن لنافع في كل حرف من حروف الخلاف أربعة وأربعين ومائة وجه مختلفة، بل كل هذه الطرق متفقة في أغلب مسائل الفرش؛ فكل طرق نافع مثلا متفقة عنه على يخادعون ويكذبون، وهكذا ...
أما في الأصول فقد اختلفت الطرق عن نافع كثيرا، ولكن لا غرابة في ذلك؛ لأن الطريق لا تنفي الطريق الأخرى، وأكثر ما روي عن نافع قد روي عن غيره، فقد روي عن نافع مثلا قصر المنفصل وتوسطه ومده، وكل ذلك قد روي عن غير نافع أيضا، فلا غرابة أن يكون نافع قد روى كل ذلك؛ لأنه من أئمة هذا الشأن، وقد أخذ عن سبعين من التابعين، كما سيأتي، قال مكي (الإبانة عن معاني القراءات: 61): " .. الجواب أن كل واحد من الأئمة قرأ بقراءات مختلفة فنقل ذلك على ما قرأ فكانوا في برهة من أعمارهم يقرئون الناس بما قرؤوا فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يردوه عنه إذ كان ذلك من ما قرؤوه على أئمتهم".
فيصدق على أصحاب الطرق قول الإمام سفيان الثوري عن حمزة: "ما قرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر"، وقول أئمة القراء كنافع وأبي عمرو (النشر: 1/ 17): "لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرأت لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا". وقال أبو عمرو (المفردات: 112): "ما قرأت حرفا من القرآن إلا بسماع واجتماع من الفقهاء ولا قلت برأي إلا حرفا واحدا فوجدت الناس قد سبقوا إليه: وأملي لهم".
فلم يخترع أحد من أصحاب الطرق الصحيحة شيئا من عند نفسه، وإنما روى أصحاب طرق نافع مثلا ما رروه عن شيوخهم إلى نافع، ومن الدليل على ذلك أنهم لو كانوا يقرؤون بما لم يرووا لكثر اختلافهم في الفرش أيضا، فلما وجدناهم لا يتبعون قاعدة محددة، بل كثر اختلافهم في الأصول وقل في الفرش، علمنا أنهم إنما يتبعون ما رووا بلا زيادة ولا نقص. باستثناء حروف وهم فيها بعض الرواة، وتتبعها المقرئون المحققون ونبهوا عليها وأحصوها عددا.
وقد اشتهرت التحريرات في المشرق دون المغرب؛ لأن الشائع بالمغرب هو القراءات السبع فقط من ثلاث طرق فقط، هي: طريق الداني وطريق مكي وطريق ابن شريح. وهي طرق غير متباعدة كثيرا. أما المشارقة فالمعتمد عند المتأخرين منهم في الإقراء طيبة النشر، وفيها زهاء ألف طريق، فدعت كثرة الطرق وتباعدها إلى نشوء فن التحريرات.
والمشارقة والمغاربة متفقون على تحرير القراءات فلا يخلطون مثلا قراءة نافع بغيرها، ومتفقون على تحرير الروايات فلا يخلطون مثلا رواية قالون برواية ورش، ومتفقون على تحرير الطرق الكبرى فلا يخلطون مثلا طريق أبي نشيط بطريق الحلواني. لكن المغاربة يتساهلون في خلط الطرق الفرعية كطرق أبي نشيط، ولا يلزمهم الكذب في الرواية؛ لأنهم لا يقولون إنهم يلتزمون بطريق الداني وحده مثلا، وإنما يأخذون بالطرق الثلاثة المعتمدة عندهم دفعة، بخلاف المحررين المشارقة فهم يحاولون أن يحرروا الطرق الفرعية أيضا.
¥