تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ليس تشعب الطرق أمرا لازما للقراءات، وإنما هو أمر عارض دعا إليه طول الأسانيد بتقدم الزمن؛ فكلما طال الزمن طالت الأسانيد وكثرت الطرق وتشعبت؛ لكن ذلك لا يستلزم تشعب المروي فهو نفسه لا يزيد، وإنما تكثر رواته فتتشعب نسبته إليهم. ومثال ذلك روايات المصريين: ورش وسقلاب ومعلى بن دحية عن نافع؛ فكل واحدة من هذه الروايات هي رواية مستقلة اصطلاحا، لكن هذه الروايات الثلاث لم تختلف في حرف واحد، وإنما سميت روايات مختلفة لاختلاف أسانيدها لا لاختلاف حروفها؛ فقد ذكر ابن الجزري في غاية النهاية في ترجمة معلى بن دحية أن الأزرق قال: "لم يذكر سقلاب ولا ابن دحية خلافا لورش في سائر الحروف". قلت [القائل ابن الجزري]: وكذا قال يونس بن عبد الأعلى: "أقرأني ابن دحية مثل ما أقرأني ورش من أوله إلى آخره". أما ما قاله مكي في كلامه المذكور أعلاه من أن ورشا انفرد بما رواه عن نافع، فهو يعني من روايات نافع المشهورة. فالفرق إذن بين الاختيار وتشعب الطرق أن الاختيار هو تأليف قراءة من عدة قراءات، وقد تركه المتأخرون سدا للذريعة. أما تشعب الطرق فهو مجرد تعدد الطرق لاختيار واحد، وهو أمر لا ضير فيه.

إنكار بعض الصحابة لبعض القراءات المتواترة:

إذا صح عن بعض الصحابة أنه أنكر قراءة متواترة، فإنكاره محمول على إنكار اختياره لها، لا إنكار صحتها؛ فقد روى الداني في المحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ: (عباد الرحمن) قال سعيد: "فقلت لابن عباس: "إن في مصحفي (عند الرحمن) " قال: "امحها واكتبها (عباد الرحمن) ". وعلق الداني على هذا الخبر بقوله: "أمر سعيدَ بنَ جبير بمحو إحدى القراءتين وإثبات الثانية مع علمه بصحة القراءتين في ذلك وأنهما منزلتان من عند الله تعالى وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بهما جميعا وأقرأ بهما أصحابه، غير أن التي أمره بإثباتها منهما كانت اختياره؛ إما لكثرة القارئين بها من الصحابة وإما لشيء صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر شاهده من علية الصحابة".

أو يحمل إنكار الصحابي للقراءة على أنها لم تبلغه؛ فقد يسمع بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم قراءة، ثم تنسخ هذه القراءة ولا يعلم الصحابي بالنسخ، مثل (والذكر والأنثى) التي رواها الشيخان وغيرهما عن أبي الدرداء وابن مسعود، ولكنها مخالفة للسواد الذي كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الموافق للعرضة الأخيرة والذي أجمع عليه الصحابة، قال الحافظ في الفتح في شرح الحديث المذكور: " ثم هذه القراءة لم تنقل إلا عن من ذكر هنا ومن عداهم قرؤوا (وما خلق الذكر والأنثى)، وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه، ولعل هذا من ما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه. والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا؛ فهذا من ما يقوي أن التلاوة بها نسخت". وقد تنسخ الآية في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعلم بعض الصحابة بنسخها، مثل حديث الرضعات، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان في ما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات؛ فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن في ما يقرأ من القرآن" رواه مسلم. قال السيوطي في الإتقان في النوع السابع والأربعين في الناسخ والمنسوخ، معلقا على حديث عائشة هذا: "وأجيب بأن المراد قارب الوفاة، أو أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها".

وقد يبقى بعض الصحابة متمسكا بالمنسوخ لأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يأخذ بالناسخ لأنه لم يسمعه منه، فقد روى البخاري في باب (ما ننسخ من آية أو ننسها): "قال عمر رضي الله عنه: "أقرؤنا أبي وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي؛ وذاك أن أبيا يقول: "لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها) ". قال ابن حجر في الفتح: "قوله: "وقد قال الله تعالى إلخ" هو مقول عمر محتجا به على أبي بن كعب، ومشيرا إلى أنه ربما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ، واحتج عمر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير