تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال ابن الناظم في شرح هذين البيتين: "فلو اجتمع مع الإدغام همز ومد فيحتمل ثمانية أوجه كقوله تعالى: (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما)، يمتنع منها ثلاثة أوجه، وهي: الإدغام مع الهمز والمد، والإدغام مع الهمز والقصر، والإدغام مع البدل والمد، وتجوز الخمسة الباقية".

فإذا عرف القارئ هذا التحرير فإن ذلك لن يجعل منه محررا؛ فهو لن يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق أبي عمرو – ومجموعها أربع وخمسون ومائة – التي ذكرها ابن الجزري في النشر؛ إذ بقي عليه أن يعزو كل واحد من هذه الوجوه الخمسة لطريقه، ويترتب على ذلك معرفة ما يوافق هذه الطريق من الوجوه الأخرى المختلف فيها عن أبي عمرو، فلو قيل له مثلا: "اقرأ لنا بطريق تذكرة ابن غلبون للدوري أو بطريق العنوان للسوسي" لما استطاع، ويقال مثل ذلك في سائر هذا النوع من التحريرات. فمن الصعب إذن أن نطلق وصف "محرر" على من لا يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة! لذلك فإن بعض كتب التحريرات لم يقتصر على مجرد تبيان الربط بين الوجوه، بل كان يعزو الوجوه إلى طرقها؛ حتى يتمكن القارئ من القراءة بكل طريق على حدة، مثل ما فعل الإمام المتولي في الروض وفي منظومة العزو.

صحيح أن العارف بالتحرير المذكور يمكن أن يقرأ هذه الآية قراءة صحيحة ليس فيها الخلط في كلمة واحدة ولا بين كلمتين ترتبط إحداهما بالأخرى، لكنه في هذه الحالة لن يكون أحسن حالا من العامة الذين يقرؤون بخلط القراءات خلطا لا يخالف القراءات المتواترة لكن بدون أن يلتزم بواحدة منها.

وصحيح أن التحريرات (بمعنى الربط بين الوجوه) قد وضعت أصلا لتسهيل الجمع، لكن الجمع ليس مقصدا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لقراءة الطالب لكل الوجوه على الشيخ في أقصر وقت ممكن، لكن بعد الجمع لا بد أن يرجع الطالب إلى الطرق فيحررها، حتى يستطيع أن يقرأ بكل واحدة منها على حدة، وإن لا كان قد توقف قبل نهاية الطريق.

ويظهر المنهج التحريري الصحيح في تلك المحاولة التي قام بها الشيخ الضباع في "صريح النص"، حين حاول أن يفرد كل طريق من طرق حفص على حدة، وكذلك فعل الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم في "فريدة الدهر"، حين حاول إفراد كل طريق من طرق الطيبة على حدة. فالشيخ الضباع قد بدأ أول كتابه "صريح النص" بالربط بين الوجوه، ولكنه كان مدركا أن الاقتصار على تلك المرحلة لا يحقق التحرير الكامل؛ إذ لا يستطيع المقتصر عليها أن يقرأ طريقا واحدة، وكان مدركا أن ثمت مرحلة تالية لا بد منها للمحرر، وهي إفراد كل طريق على حدة وبذلك فقط يستطيع المحرر أن يأمن الخلط بين الطرق، فخصص الضباع جداول في آخر كتابه لإفراد طرق حفص، وقدم لها بقوله (صريح النص: 26، ط شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر): "ربما تشتاق نفس القارئ إلى معرفة مذهب كل إمام من أئمة الأداء في الكلمات المذكورة على حدته؛ ليتم له الأمن من التلفيق، ولا يلتبس عليه مذهب بآخر، ولذا وضعت لكل طريق من الطرق الأربعة (الهاشمي وأبي طاهر والفيل وزرعان) جدولا بخصوصه بينت فيها ما يجوز له في كلمات الخلاف .. ".

فالمقصود أن ابن الجزري إنما ألف الطيبة في رأيي لتسهيل الجمع ولتنظيم زيادات الشاطبية، ولم ينظمها لتحرير الطرق ولم يعز فيها طريقا إلى صاحبها، أي: أن حافظها لا يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرقها إلا بالاستعانة بمصادر خارجية، لكن المحررين حاولوا أن يحرروها بمعنى أن يفردوا طرقها، وهو ما لم يرده ناظمها في رأيي، وإن كان تحرير الطرق أمرا ضروريا.

وصحيح أن ابن الجزري في النشر قد عزا أكثر وجوه الخلاف إلى طرقها، لكنه في الطيبة لم يفعل ذلك، وقد كان بإمكانه أن يفعله لو أراد، فقد كان بإمكانه أن ينظم كل طريق على حدة، أو أن ينظم الطرق مجتمعة ولكن يزيد عليها منظومة تحررها، كما فعل المتولي في منظومة العزو التي تناهز الطيبة في الطول؛ إذ تبلغ تسعة وعشرين وألف بيت، وليس المتولي بأقدر من ابن الجزري على النظم. وابن الجزري لم ينظم كل محتوى النشر في الطيبة وهذا أمر محسوس، وإنما نظم منه وجوه الخلاف بلا عزو.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير