وليس المقصود أن ابن الجزري قد عمد إلى خلط القراءات وتركيبها في النشر، فهذا مخالف للواقع، بل هو قد عزا أكثر الوجوه في النشر، أما الطيبة فلم ينظمها للقراءة بطرقها وإنما نظمها لتسهيل الجمع ولإكمال الشاطبية كما نص على ذلك، فكان العزو والتحرير خارجين عن موضوعها.
والله أعلم.
ـ[محمد أحمد الأهدل]ــــــــ[22 Aug 2010, 12:29 م]ـ
حفظكم الله فضيلة الشيخ الدكتور أحمد كوري فقد أفدتنا كثيرًا بهذا الطرح الرائع, واسمح لي بالوقوف مع بعض مما ذكرتموه.
الهدف الصحيح للتحريرات – في رأيي المتواضع – هو إفراد كل طريق على حدة، حتى يستطيع القارئ أن يقرأ كل طريق على حدة بدون خلط طريق بطريق، أما مجرد الربط بين الوجوه – أي: معرفة ما يجوز اجتماعه من الوجوه وما لا يجوز – فهو أمر مهم؛ لأنه يمكن العارف به من تحاشي الخروج عن القراءات المتواترة أو عن قراءة بعينها كقراءة أبي عمرو، ولكنه لا يجعل من العارف به محررا؛
أصحاب التحريرات الذين تيسر لنا الاطلاع على تحريراتهم, أمثال الإزميري, والمتولي, والخليجي ـ حسب اطلاعي القاصر ـ الذي يظهر لي أن غايتهم من التحريرات عدم التركيب ولا يلزم عندهم حفظ أصحاب الطرق لما في ذلك من المشقة الكبيرة, حيث إن الطرق الفرعية عن الراوي الواحد تتردد ما بين 9 ـ 126 طريقًا, ولا يخفى صعوبة حفظ الطرق الفرعية عن كل راوي فضلاً عن حفظ الخلافات المروية عن كل طريق, ولو أراد المحررون ذلك لجمعوا خلافات كل طريق على حِدة, ولكنهم يكتفون بذكر الأوجه الممتنعة أو الجائزة.
فإذا عرف القارئ هذا التحرير فإن ذلك لن يجعل منه محررا؛ فهو لن يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق أبي عمرو – ومجموعها أربع وخمسون ومائة – التي ذكرها ابن الجزري في النشر؛ إذ بقي عليه أن يعزو كل واحد من هذه الوجوه الخمسة لطريقه، ويترتب على ذلك معرفة ما يوافق هذه الطريق من الوجوه الأخرى المختلف فيها عن أبي عمرو،
لا تخفى المشقة الكبيرة التي تلازم من أراد أن يحفظ جميع الطرق الفرعية عن كل راوي, فضلاً عن حفظ الأوجه المعزوة إليه؛ لذلك معرفة ما يجوز وما يمتنع ـ في رأيي القاصر ـ كافٍ للسلامة من التركيب, ولا شك أن من أعطاه الله ملكة كبيرة في الحفظ ففعل ذلك فقد أحسن, وأغلب مشايخنا الذين يهتمون بالتحريرات يكتفون بوضع قواعد يُعرَف من خلالها ما يجوز وما يمتنع من الأوجه.
لذلك فإن بعض كتب التحريرات لم يقتصر على مجرد تبيان الربط بين الوجوه، بل كان يعزو الوجوه إلىطرقها؛ حتى يتمكن القارئ من القراءة بكل طريق على حدة، مثل ما فعل الإمام المتوليفي الروض وفي منظومة العزو.
بالنسبة للروض فهو ـ كما تعلمون ـ شرح لنظمه العظيم " فتح الكريم ", ولو أراد حفظ الوجوه معزوةً إلى طرقها لفعل ذلك فيه؛ إذ أنه أسهل حفظًا من النثر, وإنما فعل ما فعل في الروض ـ والعلم عند الله ـ لزيادة الفائدة, وهو كالتعليل للجواز والمنع, لا أنه يلزم حفظ ذلك معزوًّا لطرقه, وأما منظومة عزو الطرق فهي مرحلة متقدمة في التحريرات يمكن أن يطلق عليها ـ إن صح التعبير ـ مرحلة عليا في التحريرات يصل إليها من أراد التخصص العالي في هذا العلم, والذي أريد أن أقوله بالضبط أن أهم شيء يهدف إليه المحررون هو عدم التركيب والخلط, لا أن القارئ يلزمه معرفة كل طريق والأوجه الواردة منها, والله أعلم.
فالمقصود أن ابن الجزري إنما ألف الطيبة في رأيي لتسهيل الجمع ولتنظيم زيادات الشاطبية، ولم ينظمها لتحرير الطرق ولم يعز فيها طريقا إلى صاحبها،
الذي يظهر ـ والعلم عند الله ـ أن ابن الجزري مقصوده من تأليف الطيبة نظم ما يُقرأ به من كتاب النشر؛ لما يتميز به النظم من سهولة الحفظ عن النثر, ولو أراد تنظيم زيادات الشاطبية لاقتصر على ما فيها, أما أنه لم يعز فيها طريقًا إلى صاحبها فإنه قد أشار إلى طرقها مع الإشارة إلى مكان وجودها, حيث يقول:
وَهذِهِ الرُّوَاةُ عَنْهُمْ طُرُقُ ... أصَحُّهَا في نَشْرِنَا يُحَقَّقُ
بِاثْنَيْنِ في اثْنَيْنِ وَإلاَّ أَرْبَعُ ... فَهيَ زُهَا أَلْفِ طَرِيقٍ تَجْمَعُ
ويمكن أن يقال إنه اكتفى بالإشارة إليها دون ذكرها اختصارًا, كما صنع الشاطبي في حرزه حيث قال:
لَهُمْ طُرُقٌ يُهْدَى بِهَا كُلُّ طَارِقٍ ... وَلاَ طَارِقٌ يُخْشى بِهاَ مُتَمَحِّلاً
ولم يفصل طرقه, والله أعلم.
وإنما نظمها لتسهيل الجمع ولإكمال الشاطبية كما نص على ذلك،
أين نص ابن الجزري أنه نظم الطيبة لإكمال الشاطبية؟
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[23 Aug 2010, 03:40 ص]ـ
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة والتصحيح، وشكرا جزيلا لكم على هذه الفوائد العلمية الماتعة، التي أبنتم من خلالها عن علم واسع وتمسك بالمنهجية العلمية وبأدب الحوار. وفقكم الله وأكثر من أمثالكم.
بالنسبة للعبارة الأخيرة المقصود منها الإشارة إلى قوله الناظم:
ولا أقول إنها قد فضلت=حرز الأماني بل به قد كملت
حوت لما فيه مع التيسير=وضعف ضعفه سوى التحرير
وقوله:
وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي=ليسهل استحضار كل طالب
فالناظم في البيت الأول يقول إن الحرز هو مكمل للطيبة وهي لا تغني عنه؛ لأنه أساسها الذي بنيت عليه، وفي البيت الثاني يقول إن الطيبة هي كذلك مكملة للحرز؛ فقد جعل الناظم الحرز أساس نظمه، وذكره في مقدمته ولم يشر إلى غيره من كتب القراءات الوفيرة، ثم أكمله بذكر الطرق الأخرى، واتبع طريقته في الرمز والاصطلاحات غالبا، كما قال في البيت الثالث.
والحرز أيضا هو أساس الدرة وهي مكملة له، كما أن التيسير هو أساس التحبير.
والله أعلم.
¥