ثم عقب الداني على من يتهمون الرواة ـ لأن هذا الكلام معناه أن أبا عمرو خالف ما أخذه عن شيوخه واستحسن الإسكان من عند نفسه وابتدع!! ـ فقال: (وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها) أ. هـ جامع البيان للداني
وأيده ابن الجزري فقال: (وذلك (منع وجه الإسكان) مردود على قائله ووجهها في العربية ظاهر غير منكر وهو التخفيف وإجراء المنفصل من كلمتين مجرى المتصل من كلمة نحو إبل وعضد وعنق ..... وإجماع الأئمة على جواز تسكين حركة الإعراب في الإدغام دليل على جوازه هنا (هذه الجزئية الآخيرة مأخوذة من السخاوي) أ. هـ النشر
قلت: وإذا جاز إسكان حرف الإعراب وإذهابه في الإدغام للتخفيف فإسكانه وإبقاؤه أولى.
وانظر: إتحاف فضلاء البشر للبناء
حجة أخرى
وذكر الداني حجة أخرى فقال ـ رحمه الله: (قالت الجماعة عن اليزيدي: إن أبا عمرو كان يشم الهاء من (يهدي) والخاء من (يخصمون) شيئاً من الفتح.
قال الداني: وهذا يبطل قول من زعم أن اليزيدي أساء السمع إذ كان أبو عمرو يختلس الحركة في (بارئكم ويأمرهم) فتوهمه الإسكان الصحيح فحكاه عنه لأن ما أساء السمع فيه وخفي عنه لم يضبطه بزعم القائل وقول المتأول قد حكاه بعينه وضبطه بنفسه فيما لا يتبعض من الحركات لخفته وهو الفتح فمحال أن يذهب عنه ويخفي عليه فيما يتبعض منهن لقوته وهو الرفع والخفض قال ويبين ذلك ويوضح صحته أن جمعا من العلماء رووا عنه عن أبي عمرو إشمام الراء من (أرنا) شيئاً من الكسر فلو كان ما حكاه سيبويه صحيحاً لكانت روايته في (أرنا) ونظائره كروايته في: بارئكم وبابه سواء ولم يكن يسيء السمع في موضع ولا يسيئه في آخر مثله هذا مما لا يشك فيه ذو لب ولا يرتاب فيه ذو فهم). أ. هـ جامع البيان
وعلق ابن الجزري على كلام الداني السابق فقال: (وهو في غاية من التحقيق. فإن من يزعم أن أئمة القراءة ينقلون حروف القرآن من غير تحقيق ولا بصيرة ولا توقيف فقد ظن بهم ما هم منه مبرؤن وعنه منزهون) أ. هـ النشر
الإسكان هو المقدم في الأداء
وأقول: يجدر بنا الآن أن نذكر أن المقدم في الأداء هو وجه الإسكان وفي هذا يقول الداني: (أبو عمرو (بارئكم) (في الحرفين) و يأمركم (و (يأمرهم) و (ينصركم) و) يشعركم) باختلاس الحركة في ذلك كله من طريق البغداديين وهو اختيار سيبويه، ومن طريق الرقيين وغيرهم بالاسكان وهو المروى عن أبي عمرو دون غيره وبذلك قرأت والباقون يشبعون الحركة. ا. هـ التيسير بتصرف
قلت: ما عناه الداني بأن أبا عمرو نفسه روي عنه الإسكان ما قاله اليزيدي عنه: (كان أبو عمرو يجزم الهمزة من (بارئكم) وقال: من شأن العرب إذا كثرت الحركات أن تجزم) انظر: جامع البيان
وعلق الداني قائلا: (وهذا تصريح من أبي عمرو بالسكون الخالص، لأن الاجتزاء بإحدى الحركتين لا يكون إلا بذهاب الأخرى رأسا وإخلاص سكون الحرف المتحرك بها) أ. هـ جامع البيان
وأكد كلام الداني ابن الجزري فقال: (قرأ أبو عمرو بإسكان الهمزة والراء في ذلك تخفيفاً، وهكذا ورد النص عنه وعن أصحابه من أكثر الطرق وبه قرأ الداني في رواية الدوري على شيخه الفارسي عن قراءته بذلك على أبي طاهر بن أبي هاشم وعلى شيخه أبي الفتح فارس بن أحمد عن قراءته بذلك على عبد الباقي بن الحسن وبه قرأ أيضاً في رواية السوسي على شيخيه أبي الفتح وأبي الحسن وغيرهما وهو الذي نص عليه لأبي عمرو المؤلفون ..... ثم ذكر ابن الجزري رواة الوجه الثاني: الاختلاس) أ. هـ النشر
وأقول: بهذا يظهرعدم صحة قول من منع الإسكان بل من أعجب ما قرأت قول لابن الباذش ـ رحمه الله ــ أن وجه الاختلاس من مخالفة اليزيدي لشيخه أبي عمرو (انظر: الإقناع في القراءات) فكأن ابن الباذش لا يرى لأبي عمرو إلا الإسكان وهو ما كان يببنه الداني ـ رحم الله الجميع ــ والله أعلم.
إضافات الفاسي
ذكر الفاسي أن: (إسكان الكلمات الست المذكورة في البيتين لأبي عمرو).أ. هـ اللآلئ الفريدة
¥