? قال الراغب الأصبهاني: "وهو في الأصل منسوب إلى الجود والجود بدل المقتنيات مالاً أو علماً ... اهـ " فالميزة مطلق الجود وهو البدل والعطاء ولعل خدمته لنبيّ الله نوح عليه السلام وتمكين السفينة من الاستقرار عليه ـ واستقرار سفينة على جبل ليس بالشيء الهيّن ... ـ لعل في ذلك كلّه من الكرم والسخاء والاستجابة لدعوة الله تعالى ما أوجب تسميته بالجوديّ
? قال مجاهد: "هو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عزّ وجلّ فلم يغرق " فميزة التواضع لله هي التي رفعته وأوجبت ذكره في كتاب الله وتسميته أو وصفه بالجوديّ
? قيل هو من جبال الجنّة 11
? قال البقاعي 885هـ: "إشارة باسمه إلى أنّ الانتقام العام قد مضى وما بقي إلاّ الجود بالماء والخير والخصب والرحمة العامة ... " اهـ
ففي جميع ما ذكر إشارة إلى أنّ هذه التسمية أو الصفة لميزة في الجبل مستقاة من إحسانه وكرمه وهذا هو معنى الجود والتجويد
ثانيهما قوله تعالى: ?الصافنات الجياد ? تعددت أقوال المفسرين في تحديد معنى الجياد ولكنهم اتفقوا على أنّها صفة إحسان وكمالٍ امتازت بها عن باقي الخيل والأفراس12 ومن هذه الأقوال:
? الجياد السراع قاله مجاهد
? ذات أجنحة قاله إبراهيم التميمي
? وقيل الفرس الجواد هو الذي يجود بمدّخر عدوه13 أي يبالغ في العدو والجدّ فيه ولا يبخل بكلّ ما عنده من جهد وقوة لأجل تحصيل النهاية والغاية فيه
التجويد في السنّة:
سنخصص هذا المطلب لبحث استعمالات هذا اللفظ بمعناه اللغوي على أن نعود لنفس البحث بالاعتبار الاصطلاحي عند حديثنا عن تاريخ علم التجويد والمراحل التي مرّ بها ـ إن شاء الله تبارك وتعالى ـ
لم ترد في السنّة لفظة (تجويد) ولكن مادة (ج و د) بمعانيها اللغوية المتقدمة كثيرة فيها لعل أبرزها وأكثرها استعمالا ما ورد بمعنى الفرس السريعة التي لا تبخل بمدّخر عدوها وجهدها كما تقدم فمن ذلك [إنّ في الجنّة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها] 14 قال ابن حجر في الفتح جاد الفرس إذا صار فائقاً , [باعَده اللّه من النار سبعين خريفاً للمُضَمِّر المُجِيد] 15 المُجِيد: صاحب الجَوادِ وهو الفَرس السَّابق الجيِّد ومنه حديث الصراط , [ومنهم من يَمُرّ كأجاويد الخيْل] 16 هي جَمْع أجْوَادٍ وأجْوَادٌ جمع جَواد
و حديث أبي الدرداء رضي اللّه عنه [التسْبيح أفْضَل من الحَمْل على عشرين جوَاداً] وحديث سليمان بن صُرَد [فسِرْت إليه جَواداً] أي سريعا كالفَرس الجَواد. ويَجُوز أن يُريد سَيْرا جَواداً كما يقال سِرْنا عُقْبةً جَواداً: أي بعيدة
كما وردت كثيرا بمعنى السخاء والكرم ومنه حديث ابن عباس المشهور [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود النّاس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبيرل] 17 ولأنس رضي الله عنه [كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس] 18
و وردت بمعنى المطر الغزير في حديث الاستسقاء المشهور [ولم يأت أحَدٌ من ناحية إلا حَدّث بالجَوْد] 19 يقال: جادَهم المطر يجودهم جَوْداً ومنه الحديث [تركْتُ أهلَ مكة وقد جِيدُوا] أي مُطِرُوا مَطَراً جَوْداً
ووردت في وصف من كان في النَّزْع وسِيَاق الموْت [فإذا ابنهُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام يَجُود بنفسه] 20 أي يُخْرِجُها ويَدْفَعُها كما يَدْفَع الإنسان ماله يَجُودُ به. 21
التجويد في الاصطلاح:
غاية هذا المبحث وهدفه هو الوصول إلى تعريف موجز دقيق يحدّ هذا العلم بجمع مباحثه ومسائله وبفصله وتمييزه عن غيره من الفنون والعلوم ... وذلك من خلال الوقوف على عشرات التعريفات المتعلقة بعلم التجويد والتنقيب عنها في أمهات الكتب المعتمدة ,القديمة منها والحديثة ودراستها دراسة تحليلية ومقارنة للوقوف على سلبياتها للتّجنب والتخلّي وإيجابياتها للاعتماد والتبنّي ...
لكن قبل ذلك ينبغي أن نسجّل ملاحظات مهمة تتعلق بهذه التعريفات:
1) قد تجد للكاتب الواحد عدّة تعريفات للتجويد ولعل ذلك يرجع لأسباب شتّى أهمّها:
? نقله لتعريفات غيره , فينقل ها هنا تعريفا من مصدر معيّن وهنالك تعريفا آخر من مصدر مغايرٍ
? تختلف التعريفات باختلاف المواضع أو باختلاف أسباب التعريف فالتعريفُ في موضع بيان فضل التجويد غيرُه حين يراد بيان حدّه أو تمييزه ...
¥