تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- ينبغي ردم الهوة وإقامة الجسور ونبذ الخلافات بين الأمرين اللذيْن يصدران من مشكاة واحدة، ولا ينبغي أن نهول الأمر ونقول بأن الغربيين قصدوا التغيير أو التحريف، فعلم الأصوات فرع من فروع علم اللغة، وعلم اللغة وصفي، فالغربيون بأجهزتهم الحديثة وصفوا لنا أصوات لغتنا بما يمثلها قراؤنا، ويجب أن نحكم بالعلم لا بالعاطفة، فمثلاً: الضاد يدرسها علماء التجويد قاطبة على أنها رخوة نظرياً، لكنهم يطبقونها شديدة عملياً، فإذا قال لنا المحدثون إن الضاد شديدة فهم لا يقصدون تبديل لغتنا وقرآننا، لا، بل يصفون نطقنا، فلماذا لا ننطقها رخوة كما وصفها لنا علماؤنا الأوائل؟ وكلامهم فيها واضح.

- ينبغي، بل يجب، الرجوع إلى علم الأصوات الحديث. لماذا؟ علماء التجويد والقراءات الأوائل تابعون لعلماء اللغة، فمثلاً في تعداد المخارج في كتب التجويد نجدهم يقولفون: للعلماء ثلاثة مذاهب، ويعنون بهم علماء اللغة: فذهب الخليل إلى أنها سبعة عشر مخرجاً وذهب سيبويه إلى أنها ستة عشر، وذهب قطرب إلى أنها أربعة عشر، مع أن الثالث تلميذ الثاني والثاني تلميذ الأول.

- علينا أن نستفيد من علم الأصوات الحديث الذي بدوره يعتمد على التشريح أولاً، وهذا ليس بدعة، لأن الرئيس ابن سينا وهو أول من شرح الجثث صنف رسالة في أسباب حدوث الحروف.

- نأخذ من العلم الحديث ما يؤكد كلام علمائنا، فإذا وجناه مخالفاً ننظر: إذا كان الخلاف اصطلاحي فلا مشاحة، وإذا كان جذرياً ننظر: إذا دل على تغيير في النطق فعلينا أن نحاول تمثيل نطق الأوائل كما وصفوه هم. مثلا: يقول المحدثون عن الجيم إنها رخوة، ويقولون عن التي وصفها سيبويه إنها ( g) أي من مخرج الكاف، وعلينا ألا نلتفت لقولهم وننطقها من مخرج الشين شديدة (وقفية) محاولة منا لتمثيل أصوات القرآن كما أنزل، حتى وإن لم نتأكد أنها هي.

- أنا لا أؤيد من يقول إن كلام سيبويه وغيره من العلماء غير واضح!!! بالعكس، كلامهم في تمام الوضوح، فسيبويه يقول عن الرخاوة إنها استمرار الصوت إذا وقف عليه تسير به متى شئت، ومثل بالضاد، كلامه واضح لكن المجودين في عصرنا لا يطبقون.

- ينبغي التحذير من التجديدات التي لا تستند إلى شيء من العلم؛ فالقول بأن الاستطالة هي تحرك اللسان قليلاً ثم يقف!!! لم يقل به أحد قديماً ولا حديثاً، وكاد ينتشر هذا التفسير الخاطئ لدى جمهور المعلمين، لأنهم يعتمدون على شيخ معين دون مناقشة أو تحليل. كلام علمائنا وااااااااضح: الاستطالة صفة للمخرج، أي المخرج بدل أن يكون نقطة لتلاقي عضوين يحبسان الهواء كلياً أو جزئياً كما في سائر الحروف، فإنه في الضاد العتيقة خاصة خط لا نقطة، من أول ضرح إلى آخر ضرس مع الحافة كله مخرج، الاستطالة معناها إذن طول في المخرج، كله يخرج منه صوت الضاد بلا تحرك للسان. وحبس الهواء فيه جزئي لا كلي أي أن الضاد الساكنة يستمر الصوت بها ولا ينقطع - كما قال سيبويه وغيره تماماً - لا ينقطع حتى ينتهي الهواء الخارج من الرئة، كالشين وسائر الحروف الرخوة، هكذا قال العلماء. علينا أن نطبق ما قالوه. لا أن نخترع علوماً جديدة بلا أسس.

- يمكن الاستفادة من علم الأصوات الحديث في تفسير ظواهر سكت عن تعليلها الأوائل أو عللوها بتعليلات غير مقنعة، فمثلاً: نظر الأوائل في معرفة الجهر والهمس إلى خروج النفس بكثرة من الفم، ولما لم يخرج مع الهمزة نفس قالوا بأنها مجهورة، وبعض المحدثين نظروا إلى اهتزاز الحبلين الصوتيين في الجهر وهدوئهما في الهمس، ولما لم يحدث مع الهمزة اهتزاز قالوا بأنها مهموسة، والصواب - كما هو عند معظم المحدثين - النظر إلى الجانبين معاً، وعليه فالهمزة صوت لا يوصف بجهر ولا بهمس؛ ليس مجهوراً لعدم الاهتزاز، وليس مهموساً لعدم خروج النفس. وهذا يفسر عدم قلقلته، لأن الأوائل يعللون بالقلقلة باجتماع الجهر والشدة، وهو تعليل صحيح علمياً، فإذا كانت الهمزة شديدة مجهورة فلم لم تقلقل؟! يعللون استثناءها بتخفيفها، وهو تعليل غير مقبول؛ لأن المحققة لا تقلقل وهي غير مخفف (لم تخفف وهي غير مقلقلة).

- الخلاصة: الأصوات تغيرت مع الزمن، والقدماء وصفوا أصواتهم بدقة، وعلم الأصوات الحديث وصف نطقنا لأصواتنا المعاصرة بدقة، علينا فهم هذا وهذا، وليس ثمة تناقض كبير، بل هي ملاحظات قليلة، قد تكون اصطلاحية لا علاقة لها بالنطق كما في الهمزة، سواء قلنا إنها مجهورة أم مهموسة فإن نطقها واحد لم يتغير. وعلينا إذا وجدنا خلافاً في النطق بين القديم والحديث كما في همس القاف والطاء (وهو ما لاحظته من خلال تدريسي للتجويد - ومن خلال سماعي حتى لبعض المجودين ممن لهم تسجيلات) - أقول: علينا أن نحاول تمثيل نطق الأصوات القرآنية القديمة قدر وسعنا، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير