تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واستدل كذلك بقول عبدالله بن مسعود القريب منه: (لقد سمعت القراء ووجدت أنهم متقاربون فاقرأوا كما علمتم، فهو كقولكم هلم وتعال).

واستدل كذلك بقصة كاتب الوحي عبدالله بن أبي السرح واستدل بعدها بقصص وأخبار استقاها من كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصبهاني، وكلها من شواذ المسائل والأدلة، واستدل كذلك ببعض القراءات التي مرجعها إلى الاختلاف في اللهجات الذي يحتمله الرسم العثماني.

فهؤلاء المستشرقون ظنوا – جهلاً منهم – أن للصحابة وللتابعين قدرة على التدخل في النص القرآني، توضيحاً لما غمض منه، أو إقامة لخطأ في شكله أو صيغته، أو تضميناً لبعض الاتجاهات اللاهوتية كما يعبر المستشرقون!!

فالدافع للصحابة والتابعين في نظر المستشرقين إلى التغيير في النص القرآني هو غموض النص القرآني أحياناً، أو أن القرآن فيه كلمات غير فصيحة فتم استبدالها بالأفصح، أو استغلال القرآن لمصالحهم وأهدافهم الدينية!!

وهذا كله كما تلاحظ يدل على جهل عميق لدى هؤلاء المستشرقين، أو حقد دفين، أحدهما أو كلاهما!! لأن كل ما استشهدوا به على دعواهم هو من القراءات التفسيرية. وقد رد أبو حيان رحمه الله هذه الحجة عند تفسيره لقوله تعالى في سورة البقرة: (فأزلهما الشيطان عنها) عندما ذكر قراءة ابن مسعود (فوسوس لهما الشيطان عنها): (وهذه القراءة مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه، فينبغي أن تجعل تفسيراً. وكذا ما ورد عنه – أي ابن مسعود – وعن غيره مما خالف سواد المصحف).

ومعلوم أن ما خالف المروي من القرآن متواتراً، أو ما اشتهر من السنة الصحيحة، أو ما أجمع العلماء عليه مما يقلل الثقة بالرواية، ويجعلها في عداد الروايات الواهية التي لا يحتج بها.

وأما استدلال بعضهم بالأحرف السبعة ونزول القرآن عليها على تجويز القراءة بالمعنى، فهذا استدلال باطل؛ لأن الأحرف السبعة لم تكن تتبع هوى الصحابة بحيث يقرأون كيف ما يشاءون كما صور ذلك المستشرقون كبلاشير وجولد زيهر ونولدكه ومن اغتر بكلامهم من الباحثين، بل كانت في حدود المسموع المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو ما أجمع عليه العلماء المحققون. [انظر المدخل لأبي شهبة 207].

ولذا كانت إجابته صلى الله عليه وسلم لكل من عمر بن الخطاب، وهشام بن حكيم عقب سماعه منهما سورة الفرقان على إثر الخلاف بينهما في الحرف (هكذا أنزل). والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما كما لايخفى عليكم.

يقول أبو شهبة رحمه الله: (وإن لنا لوقفة عند هذا الرأي الأخير، المجوز لتبديل فواصل الآي بعضها ببعض مما هو من صفات الرب، فإن هذا خلاف الإجماع، ويؤدي إلى ذهاب الإعجاز، فإن من إعجاز القرآن هذا التناسب والترابط القوي بين الآية وخاتمتها، فلو جاز إبدال خاتمة بأخرى لعاد بالخلل على إعجاز القرآن).

وقال القاضي عياض رحمه الله نقلاً عن المازري: (وقول من قال المراد خواتيم الآي فيجعل مكان (غفور رحيم) (سميع بصير) فاسد أيضاً؛ للإجماع على منع تغيير القرآن للناس).

فلا شك أن معنى القراءات الصحيحة في الآية الواحدة متقاربة ومنسجمة وغير متناقضة. ومما يؤكد أن مقصوده الاتباع في القراءة والتلقي لا الاجتهاد والتشهي قوله: (فاقرأوا كما عُلِّمتم) وهذا كله يبطل هذه الدعوى.

وقد استدلوا كذلك بموقف عبدالله بن المبارك - رحمه الله – أنه كان لا يرد على أحد حرفاً، فلا دليل لهم فيه لجواز أن من كان يقرأ عليه كان يعتمد على قراءة صحيحة الرواية، لذا فلا يجوز منه أن يرده عن قراءته السبعية بل يصحح لمن يخطئ في القراءة السبعية لا غير.

وأما قول الإمام الزهري رحمه الله أنه يجوز قراءة القرآن بالمعنى فضلاً عن الحديث النبوي، فهذا اجتهاد منه رحمه الله، وإلا فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون أن يرووا الحديث بلفظه ولا يجيزون روايته بالمعنى حتى إن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أو كما قال). محترزاً بذلك. خوفاً من أدائه على غير لفظه، فإذا كان هذا موقفهم من الحديث النبوي الشريف فمن باب أولى القرآن الكريم. والإمام الزهري هو الذي روى حديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم، وفيه قول عمر وقول هشام (أقرأني رسول الله). وعلى هذا فيحمل قوله في الإجابة لأبي أويس على أن ذلك يجوز فيما نزل به الوحي من ذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير