[ماذا قال امرؤ القيس عن القرآن العظيم؟]
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[09 Mar 2006, 04:02 م]ـ
عندما يهاجم دخيل غير مرغوب فيه جسم الإنسان فإن الخلايا اللمفاوية بإلهام من خالقها تعمد إلى تخليص الجسم من هذا المهاجم الغريب .... ثم يزدوج أسلوب المواجهة:
-فإما إتلاف الغريم وتفتيته نهائيا.
-فإن استعصى الأمر كأن يكون الدخيل مثلا قطعة من رصاص أو حديد يكون اللجوء إلى حل آخر لا يقل نجاعة عن الأول وهو نسج أحزمة وإقامة غلاف متين لعزل القطعة الصلبة عن المحيط حجرا محجورا.
شأن المضادات الحيوية في برنامجها الإلهامي.
شأن اضداد الحياة في برنامجها الإجرامي.
هكذا سلوكهم مع القرآن:
-إما التخلص نهائيا منه وهذا مستحيل قدريا بفضل حفظ الله.
-وإما عزله عن محيطه وهذا ممكن فالقوم قد يتخذون القرآن مهجورا.
هذان الأسلوبان ابتكرهما خصوم القرآن الأوائل وما زالا ينتقلان في اصلاب خصوم الذكر العزيز جيلا بعد جيل .... وقد بين القرآن بإيجاز إعجازي الأسلوبين في موضع واحد: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فصلت.
-لا تسمعوا القرآن: إزاحة الناس عن القرآن.
-الغوا فيه: إزاحة القرآن عن الناس.
وإذا كان أسلوب اللغو مفتضح لا ينطلي إلا على الأغبياء أو المتغابين فإن الأسلوب الثاني فيه مكر شديد .... قد لا ينتبه إليه حتى الأذكياء والنبهاء.
فقد تشعل حرب هامشية لا علاقة لها ظاهريا بالقرآن لا من قريب ولا من بعيد لكن عند التأمل وتتبع الآثار يكتشف أن المعركة هي حول القرآن لا غير ... ولا يستهدف إلا هو ....
هذا هو موضوع حديثي.
معركة الشعر الجاهلي:
يعتبر الأستاذ الكبير أبو فهر محمود محمد شاكر أذكى من عجم عود هذه المعركة وكشف عن سراديبها الخفية التي تنطلق من الشعر الجاهلي لتصل إلى القرآن وهو مقصودهم لا الأشعار ..... وقد عرض الأديب الكبير –رحمه الله-بجلاء خطة أعداء القرآن في مقدمته الفذة لكتاب مالك بن نبي-رحمه الله-"الظاهرة القرآنية".
لكن ما الرابط بين الشعر الجاهلي والتنزيل؟
أي ضرر في إنكار الشعر الجاهلي؟
ما مصلحة القرآن في امريء القيس؟
"الشعر الجاهلي هو أساس مشكلة إعجاز القرآن" هذا مفتاح اللغز.
لقد انتبه المستشرقون إلى ما لم ينتبه إليه الباقلاني ..... أدركوا منزلة الشعر الجاهلي في شأن إعجاز القرآن فحشدوا كل باطلهم لإتلاف الشعر الجاهلي ..... والنية هي الاجهاز على شاهد الإثبات المقر بإعجاز القرآن .... فما كانت معركة الشعر الجاهلي في واقع الأمرإلا معركة القرآن ...... ولعل الحقد على القرآن كان من القوة بحيث أعمى أبصارهم واستعانوا بالسفسطة والغش والتزوير بدرجة مكشوفة فضحها مستشرقون آخرون ... غير أن أبناء جلدتنا –غباء أو تواطؤا- اعتبروا السفسطة منهجا علميا فادخلوها إلى الجامعات وروجوا لها فكانت النكسة الفكرية التي ما زلنا نعاني منها إلى الآن ...
ولتوضيح أكثر أقوم بترصيف التسلسل المنطقي للحلقات مبتدئا بالقرآن منتهيا بالشعر الجاهلي:
-القرآن الكريم هو الدليل على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس العكس. وإن كان العكس ممكنا: فقد نثبت النبوة من جهة ما فنستدل بها على صدق القرآن .. لكن هذا النهج مرجوح جدا لأنه لا يصح لتلك الجهة التي يستدل بها أن تكون أنصع وأقوى من القرآن ...
-إذن القرآن دليل على النبوة .... لكن ما الدليل على الدليل؟
لا يمكن للسلسلة أن تستمر إلى ما لا نهاية ..... فوجب أن يكون القرآن دليلا على نفسه إنه: الاعجاز والتحدي. .
- التحدي يستلزم متحدى ...
فلا مناص من وجود مجموعة تستجيب أو لا تستجيب ..
لكن ينبغي للفئة المستهدفة أن تكون أهلا للتحدي .... لذلك اختار الله العرب ليقيم عليهم الحجة وبالتالي على الناس جميعا ..... فالعرب وحدهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان ذوقا وانتاجا:
أعني ب"ذوقا " قدرتهم على التميز بين مستويات القول وترتيب الأقوال على درجات البيان وسلم البلاغة. (انظر تحليلي لموقف الوليد ابن المغيرة ولقولته النقدية للأسلوب القرآني في معرض الرد على موقع أسرار القرآن في هذا المنتدى نفسه)
وأعني ب"انتاجا" النظم الفعلي للكلام بحيث يظهر ذلك النظم قدرة عالية جدا على التعبير والإمتاع.
-لكن دعوى فصاحة العرب وبلاغتهم مجرد دعوى ... فكل أمة تدعي أنها أفصح من أختها فكيف السيل إلى إثبات ذلك؟
السبيل هو "ما ترى لا ما تسمع":
هذا شعرهم فأرجع فيه النظر مرات ومرات ... قارنه بمن عاصروهم من الأمم ... وتأمل في بيانهم العالي واستواء نسائهم ورجالهم فيه. ثم تأمل كيف غسل فحول الشعراء العرب أنفسهم من بعدهم أيديهم من طموح محاذاة مستوى شعر اجدادهم فضلا عن أن تسول لهم نفوسهم طمع التسامي والتفوق ....
ثم انظر بعد ذلك إلى حكمة الباري عز وجل:
كيف حفظ هذا الشعر في الوجود ..... بينما اختفى من إبداع العرب أنواع وأنماط أخرى: غاب الانتاج النثري أو كاد ...... لأن المقصود أن نكون فكرة عن سليقة العرب وبلاغتهم العليا فحفظ الله الكلام الذي اتخذه العرب أنفسهم معرضا لبلاغتهم وهو الشعر الجاهلي.
ومن هنا أيضا تفهم سر تكالب أعداء القرآن على الشعر الجاهلي دون غيره من شعر العصور.
والآن , نعود على الأعقاب:
-طمس الشعر الجاهلي والتشكيك فيه وتزييفه يؤول إلى طمس بلاغة العرب والتشكيك فيها و تزييفها ....... بعبارة:سقط شاهد إثبات بلاغة العرب.
-سقوط شاهد إثبات بلاغة العرب يؤول إلى نزع أهلية التحدي عنهم ... فتحدي من لا يعرف البلاغة بالبلاغة لا معنى له ...
-إذن لا يمكن رصد إعجاز القرآن.
-إذن لا دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ..
هذا البند الأخير هو بيت القصيد عند المستشرقين وأذنابهم الأغبياء والمتواطئين .... لكنهم لم يصرحوا به .. بل نقلوا المعركة إلى وجود أو عدم وجود امريء القيس .... لكنهم كانوا واعين بخبثهم أن نتيجة المعركة ستصل لا محالة إلى ما لم يفصحوا عنه.
يتبع ........
¥