تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[انتهاك المقدس وتمييع الإعجاز القرآني]

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[31 May 2006, 07:40 م]ـ

انتهاك المقدس

وتمييع مفهوم الإعجاز القرآني

تمهيد:إن الخطاب العلماني يدرك جيداً أن الأمة الإسلامية والعربية تنتمي إلى حضارة المقدس والإيمان بالمطلق، وأن أي محاولة للتجديد أو للنهوض محكوم عليها بالفشل إذا لم تنطلق من خلال هذين المحورين: الإيمان، والمقدس، إلا أن الصراع كان قد احتدم طوال القرنين الماضيين في بلادنا بين العلمانية الغازية التي تنتمي إلى حضارة المدنس والنسبية والمادية وبين حضارتنا وثقافتنا المتشبثة بمقدساتها ومرتكزاتها، ولأن الخطاب العلماني العربي قد تشبع بالحضارة المادية الغازية وشربها حتى الثمالة وهو في ذات الوقت يرغب أن يمسك بزمام المبادرة النهضوية أسوة بالنهضويين الغربيين ولكن هنا واجهته حضارة قدسية متقاطعة جداً مع المادية النسبية والعدمية، ولذلك فقد وقع في مأزق التصادم بين الانتماء الفكري والثقافي من جهة والانتماء الوطني والقومي من جهة أخرى.

ولكي يتخلص الخطاب العلماني من هذا المأزق لجأ إلى محاولة التوفيق بين الثقافة التي استلبته، وبين الحضارة التي أنجبته، وكانت مقدسات هذه الحضارة وعلى رأسها القرآن الكريم هي محور دراساته في العقود المنصرمة، إلا أن الخطاب العلماني العربي بسبب ضعفه في المواد التأسيسية الأصولية والتراثية اللازمة لقراءة القرآن، وانبتات الصلة بينه وبين مكونات حضارته، وفي ذات الوقت ثراؤه بمكتسبات العلوم الحداثية والتفكيكية والألسنية فقد جاءت قراءاته للقرآن أقرب إلى التلفيق والتزوير منها إلى التوفيق والتنوير، والسبب هو أن الخلفية المادية الكامنة وراء القراءات العلمانية المختلفة للقرآن كانت غير متوائمة مع المادة المقروءة، في حين ظلت الأصول القريبة والملائمة للمادة المقروءة متهمة في بنية الخطاب العلماني بتكريس التخلف واللاوعي، ويُنظر إليها بتوجس وحذر وربما بازدراء.

ومن هنا هدف هذا البحث إلى الكشف عن الانعكاسات التي أنتجتها القراءات المعاصرة للقرآن الكريم طبقاً للمناهج الحديثة من ماركسية وفرويدية وبنيوية وتفكيكية وهرمنيوطيقية ومن أبرز هذه الانعكاسات أن القرآن الكريم لم يعد يحتوي على مضمون محدد يمكن تطبيقه والالتزام به، وإنما أصبح لكل إنسان الحق في أن يفهم ما يريد، لكن بشرط أن لا يفهم منه ما كان السلف والصحابة يفهمون، لأنه عند ذلك سيُصنَّف مع الرجعيين والظلاميين.

له أن يفهم أن الماركسية هي الإسلام، وأن ماركس أفضل من طبق الإسلام () وأن داروين أفضل من فهم القرآن () وأن فرويد رسول اللاوعي (). وأن دي سوسير وغادمير، وهيدغر ودريدا هم المدخل الأساسي لتفسير القرآن ()، أما الشافعي فقد كان مُحتالاً () والغزالي كان منافقاً () والطبري كان تقليدياً، وجميعهم كانوا أرثوذكسيين منخرطين في تيار الإسلام السلطوي (). وما داموا كذلك فإن الفهم المستقر للقرآن وعقائده وشعائره وعباداته ليس هو كما كرَّسه هؤلاء، وإنما يجب أن يُعاد النظر فيه على ضوء مكتسبات العلوم العصرية، وعلى ضوء ما وصلت إليه الحداثة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بزحزحة الثوابت، وتقويض المقدس، وأنسنة الإلهي، ومركسة المثالي، وتورخة المتعالي، ونسبنة المطلق.

وقد اعتمدت في هذا البحث على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني وحرصت على أن أترك النصوص هي التي تتكلم، وأن يكون منهجي هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي الاستنتاجي حتى لا أُتهم بالتجني والتحامل.

وها هنا ملاحظة مهمة أود أن ألفت النظر إليها لعلها تجنبني الكثير من النقد وسوء الفهم وهي أنني في هذه الدراسة لم أتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين، وإنما تعاملت معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة، ولذلك تجنبت ذكر الأسماء غالباً في متن الدراسة، وأحلت إليها في الهوامش، ولذلك أيضاً كنت أنتقل من نص إلى نص دون اعتبار لقائله ما دام يتكامل مع غيره في داخل السياج الأيديولوجي العلماني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير