تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الجدل في القرآن الكريم والسنة النبوية]

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[06 Apr 2006, 06:57 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[الجدل في القرآن الكريم والسنة النبوية]

د. أحمد إدريس الطعان

كلية الشريعة - جامعة دمشق

كل مسلم رضي بالله عز وجل رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد r نبياً مكلف بالدعوة إلى الإسلام، والدفاع عنه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذه رسالة كل مسلم في حياته.

وانطلاقاً من هذا المبدأ الذي حث القرآن الكريم عليه نهض المسلمون بواجبهم في الدعوة والدفاع، ولما كان الداعي والمدافع لابد وأن يلتقي بكل أصناف الناس ويصطدم بمختلف التيارات والثقافات والاتجاهات، فلا بد له من إتقان أساليب الدعوة والدفاع المتمثلة في الحوار، والجدل بالحسنى، وأصول الدعوة والمناظرة، ونجد أمثلة كثيرة من القرآن الكريم في مجادلة اليهود والنصارى والمشركين والثنوية، ومنكري النبوات وغيرهم.

وقد كان الجدل في القرآن الكريم نوعان: محمود، ومذموم، وأن المذموم ما كان بقصد الغلبة والرياء والجدل للباطل، أو بغير علم، أو في مكان غير مناسب، أو لقصد الجدل فقط، كما قال عز وجل:

} مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ {([1]). فالقصد هنا الجدل للجدل.

وقال:} مَا يُجَادِلُ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ {([2]). الجدل هنا مكابرة لأنها مجادلة في أمور بديهية.

وقال:} وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ {([3]) الجدل هنا غايته نصرة الباطل، ومدافعة الحق عن علم وقصد.

وقال:} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ {([4]) وقال عز وجل} وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ {([5]). الجدل هنا بغير علم وهو ما نراه اليوم كثيراً في مجتمعنا، وخصوصاً فيما يتعلق بأمور الدين، فقد أصبح الدين كما يقول الدكتور البوطي أشبه ما يكون بالكلأ المباح، يقتحمه كل الناس بعلمٍ وبغير علم، ودون أن يُراعى فيه أي تخصص، بخلاف العلوم الأخرى فإن لها أسيجة من الحصانة والحماية.

وأما الجدل المحمود فهو ما كان بقصد الوصول إلى الحق، ودفع الباطل، والدعوة بالحسنى ولذلك قرنه الله عز وجل بالدعوة فقال:

} ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْموْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {([6]).

وقال عز وجل:} وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ {. ([7]) لأن مجادلة الظالمين غير مجدية وإنما يجدي معهم السلاح والقوة. ودعا القرآن الكريم إلى إحضار الدليل أو البرهان فقال:

} قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {([8]).وقال عز وجل:

} قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ {([9]).

وقد جادل الأنبياء أقوامهم كثيراً ولم يملوا من ذلك حتى قال الباري عز وجل حكاية عن قوم نوح:} قَالُوا يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا {([10]).

وجادل إبراهيم عليه السلام أباه وقومه فقال عز وجل يحكي عنه:

} إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا! يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا! يَاأَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا! يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا! قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ ءَالِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِياً! قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا! وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير