[غريب القرآن - هل يطعن في الإعجاز؟]
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[17 Oct 2006, 03:06 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى حمدًا كثيرًا كريمًا طيبًا مباركًا فيه، أما بعد. .
في كتابه (معجزة القرآن) تناول الأب النصراني الهالك يوسف درة حداد إعجاز القرآن الكريم بالطعن والتكذيب، وكان غريب القرآن مما طعن فيه هذا المخذول.
في أول الفصل المعنون (غريب القرآن) ينقل الأب الهالك عن محمد صبيح قوله: ((وقد نزل القرآن باللغة العربية القرشية، التى ذكرنا أن كثيراً من الفاظ اللغات الأخرى، ولغات القبائل المجاورة ذابت فيها. وقد فهم الصحابة القرآن اجمالاً؛ ولكن الفاظاً غير قليلة استغلقت عليهم، بل ان بعضها لا يزال مستغلقاً علينا الى اليوم، على الرغم من ان وسيلة العلم ببعض اللغات القديمة قد توفرت لدينا ... ووردت روايات عن الفاظ فى القرآن لم يكن بعض الصحابة يفهمونها لأنها مستعملة عند بعض القبائل، وليست مستعملة عند قريش. . . وقد شغف علماء المسلمين بتتبع الفاظ القرآن وغريبه. وذكر السيوطى أسماء كثيرين ألفوا فيه)) ا. هـ.
ثم يذكر يوسف حداد قائمة طويلة بالألفاظ الغريبة في القرآن ومعانيها نقلاً عن السيوطي رحمه الله ثم يعقب بقوله: ((كانوا يعتبرون تلك التعابير من غرائب القرآن. وباستعمال القرآن لها دخلت الفصحى، وكثيراً منها لم يعد يبدو غريباً. ولم يكن من البدء كذلك. وأساس الإعجاز البيانى فصاحة مفرداته. وليس من الفصاحة ما عده العلماء " غريب القرآن". فهل " غريب القرآن" من الاعجاز فى فصاحة لغته؟)) ا. هـ. ضلال.
هذا هو مطعن هذا المسكين الحاقد على معجزة النبوة، وإليك الجواب بعون الملك الوهاب.
..
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[17 Oct 2006, 03:10 ص]ـ
غريب القرآن!
يالها من كلمة!
هل تعني ألفاظًا غير عربية اخترعها القرآن وجاء بها، فيكون قد خاطب العرب بما لا يفهمون، وهو مما لا يستقيم به أمر، ولا هو من معاني الإعجاز في شيء كما ذهب الهالك يوسف درة حداد؟
كلا بالطبع!
بل معنى الغريب هو عكس المعتاد والمألوف والمشهور في لغة العرب، فيكون في القرآن ألفاظًا عربية تكلمت بها العرب لكنها لم تشتهر كبقية ألفاظ اللغة؛ لهذا وصفت بالغريب.
وهذا ما نقله يوسف حداد عن محمد صبيح في قوله: ((ووردت روايات عن الفاظ فى القرآن لم يكن بعض الصحابة يفهمونها لأنها مستعملة عند بعض القبائل، وليست مستعملة عند قريش))، فكان مستوى فهم الأول لكلام الثاني هو أن ((تلك التعابير من غرائب القرآن. وباستعمال القرآن لها دخلت الفصحى، وكثيراً منها لم يعد يبدو غريباً. ولم يكن من البدء كذلك))، فمعنى الغرابة عنده أنها ليست من اللغة الفصحى - أي العربية الجاهلية -! وعندما جاء بها القرآن صارت من اللغة الفصحى!
فإن كان هذا هو مدى فهمه لمسألة بسيطة من مسائل علوم القرآن، فكيف يكون لدقائق المسائل وجليلها، بل وكيف يكون لإعجاز القرآن نفسه؟!
أما جهل بعض الصحابة بمعاني بعض كلمات القرآن فهو لا يعيب القرآن، وفي هذا الصدد يقول الإمام السيوطي رحمه الله في الإتقان: ((ولكن لغة العرب متسعة جداً ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الأجلة، وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح. قال الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة إلا نبي)) (السيوطي، الإتقان في علوم القرآن ج2 ص105 - 106)
وأخرج من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال: أحدهما: أنا فطرتها يقول: أنا ابتدأتها. المصدر السابق ص4
وأخرج ابن أبي حاتم عتن قتادة قال: قال ابن عباس: ما كنت ادري ما قوله (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) حتى سمعت قول بنت ذي يزن: تعال أفاتحك تريد: أخاصمك. المصدر السابق ص5
وهذه النقول وأشباهها موجود في الإتقان للسيوطي وغيرها من كتب أهل العلم بالقرآن، فليس من العجيب عدم علم بعض أكابر العلماء مثل ابن عباس رضي الله عنهما بكل كلمة في اللغة العربية، يقول الإمام الشافعي في الرسالة: ((ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكن لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه. والعلم به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه: لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء)) (الشافعي، الرسالة ج1 ص43)
لهذا وعلى الرغم من أن العالم المتخصص في اللغة العربية قد لا يعرف كل كلمة ولفظ في اللغة إلا أنك قد تجد حتى بين عوام الناس من يعرف معنى كلمة قد تكون حيرت عالمًا بارز الشأن. فقد رووا عن أبي حاتم أنه سأل أم الهيثم الأعرابية عن نوع من الحب يسمى "اسفيوش": ما اسمه بالعربية؟ فقالت: أرني منه حبات! فأراها، فافكرت ساعة ثم قالت: هذه البحدق! ولم يسمع ذلك من غيرها.
فلا غرابة في الأمر مطلقًا، بل الواقع أن وجود بعض الكلمات العربية التي يجهلها البعض يدل على أن منزل هذا القرآن صاحب علم محيط فلا يتصور وجود عربي يعلم كل هذه الكلمات جميعًا، يقول العلامة النحوي ابن فارس في الصاحبي: ((قال بعض الفقهاء: كلام العرب لا يحيط به إلا نبي. وهذا كلام حري أن يكون صحيحًا. وما بلغنا أن أحدًا ممن مضى ادعى حفظ اللغة كلها)) (ابن فارس، الصاحبي ص26)
فظاهرة الألفاظ الغريبة في القرآن تقدم لنا دليلاً قويًا على عدم بشرية هذا الكتاب العزيز، وهذه صفعة مؤلمة نصك بها وجوه من يطعن في القرآن بهذه المسألة.
وتبقى مطاعن يوسف حداد بعد ذلك مجرد أرض جرداء يلقي الناظر فيها نظره لتكون عبرة له، كديار عاد وثمود.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.