تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القرآن وأميّة بن أبى الصلت: أيهما أخذ من الآخر؟

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[05 May 2005, 02:25 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أمية بن أبى الصلت شاعر مخضرم من قبيلة ثقيف، التى كانت تسكن الطائف. وكان أبوه أيضا شاعرا، كما كانت له أخت تُسَمَّى: "الفارعة"، وبنتان وعدة أبناء بعضهم شعراء، وأخٌ اسمه "هذيل" أُسِر وقُتِل مشركا فى حصار الطائف. وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، وأزعجهم التردِّى الخلقى الذى كان شائعا فى الجزيرة العربية، وتطلعوا إلى نبى يُبْعَث من بين العرب، بل إنه هو بالذات كان يرجو أن يكون ذلك النبى. وكان أمية يخالط رجال الدين ويقرأ كتبهم ويقتبس منها فى أشعاره. وكان رجل أسفار وتجارة، كما كان يمدح بعض كبار القوم كعبد الله بن جدعان وينال عطاياهم وينادمهم على الخمر، وإن قيل إنه قد حرَّمها بعد ذلك على نفسه. وتُجْمِع المصادر على أنه مات كافرا حَسَدًا منه وبَغْيًا، إذ ما إن بلغه مبعث النبى محمد حتى ترك الطائف فارًّا إلى اليمن ومعه بنتاه اللتان تركهما هناك، وأخذ يجول فى أرجاء الجزيرة ما بين اليمن والبحرين ومكة والشام والمدينة والطائف. وتذكر لنا الروايات مع ذلك أنه وفد على النبى ذات مرة وهو لا يزال فى أم القرى واستمع منه إلى سورة "يس" وأبدى تصديقه به مؤكدا لمن سأله من المشركين أنه على الحق. بَيْدَ أن حقده الدفين منعه من أن يعلن دخوله فى الإسلام رسميا وبصورة نهائية رغم أنه، كما جاء فى إحدى الروايات، كان قد اعتزم أن يذهب إلى المدينة للقاء الرسول مرة أخرى وإعلان دخوله فى الدين الجديد، لكن الكفار خذّلوه وأثاروا نار حقده على محمد من خلال تذكيره بأنه قتل أقاربه فى بدر ورماهم فى القليب، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه بعد أن شقّ هدومه وبكى وعقر ناقته مثلما يصنع الجاهليون. ثم لم يكتف بهذا، بل رثى هؤلاء القتلى وأخذ يحرض المشركين على الثأر لهم منضمًّا بذلك إلى جبهة الشرك والوثنية ضد الإسلام، وظل هكذا حتى لقى حتفه على خلاف فى السنة التى مات فيها ما بين الثانية للهجرة إلى التاسعة منها قبل فتح النبى الطائف بقليل، وهو الأرجح (شعراء النصرانية قبل الإسلام/ ط2/ دار المشرق/ بيروت/219 وما بعدها، ود. جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ ط2/ دار العلم للملايين/ 1978م/ 6/ 478 - 500، وبهجة عبد الغفور الحديثى/ أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره/ مطبوعات وزارة الإعلام/ بغداد/ 1975م/ 46 فصاعدا. وله تراجم فى "طبقات الشعراء"، و"الشعر والشعراء"، و"الأغانى" وغيرها).

ولأمية ديوان شعر يختلط فيه الشعر الصحيح النسبة له بالشعر المنسوب له ولغيره بالشعر الذى لا يبعث على الاطمئنان إلى أنه من نظمه، وهذا القسم الأخير هو الغالب. وأكثر شعر الديوان فى المسائل الدينية: تأمّلاً فى الكون ودلالته على ربوبية الله، ووصفًا للملائكة وعكوفهم على تسبيح ربهم والعمل على مرضاته، وإخبارًا عن اليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب، وحكايةً لقصص الأنبياء مع أقوامهم، إلى جانب أشعاره فى مدح عبد الله بن جدعان والفخر بنفسه وقبيلته وما إلى ذلك. ومن الشعر الدينى المنسو ب إليه ما يقترب اقترابا شديدا من القرآن الكريم معنًى ولفظًا وكأننا بإزاء شاعرٍ وَضَع القرآنَ بين يديه وجَهَدَ فى نظم آياته شعرا. ومن هذه الأشعار الشواهد التالية:

لك الحمد والنعماء والمُلْك ربنا= فلا شىء أعلى منك جَدًّا وأَمْجَدُ

مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ = لعزّته تَعْنُو الجباه وتسجدُ

مليك السماوات الشِّدَاد وأرضها = وليس بشىء فوقنا يتأودُ

تسبِّحه الطير الكوامن فى الخفا = وإذ هى فى جو السماء تَصَعَّدُ

ومن خوف ربى سبّح الرعدُ حمده= وسبّحه الأشجار والوحش أُبَّدُ

من الحقد نيران العداوة بيننا = لأن قال ربى للملائكة: اسجدوا

لآدم لمّا كمّل الله خلقه = فخَرُّوا له طوعًا سجودا وكدّدوا

وقال عَدُوُّ الله للكِبْر والشَّقا: =لطينٍ على نار السموم فسوَّدوا

فأَخْرَجَه العصيان من خير منزلٍ = فذاك الذى فى سالف الدهر يحقدُ

* * *

ويوم موعدهم أن يُحْشَروا زُمَرًا = يوم التغابن إذ لاينفع الحَذَرُ

مستوسقين مع الداعى كأنهمو = رِجْل الجراد زفتْه الريح تنتشرُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير