تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لمحاتٌ علميةٌ في القرآن الكريم للباحث محمد قرانيا

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 May 2005, 07:43 ص]ـ

القرآن الكريم معمارٌ فريد متكامل. هو نسيجُ وحدِه، لغةً وأسلوباً وفكراً، وإيقاعاً. يتميّز برصفٍ للألفاظ يفجّر ما بداخلها من نغم، لا ينبع من حواشي الكلمات وأوزانها وفواصلها فحسب، وإنما من باطنها أيضاً، بأسلوبٍ محيّر معجزٍ، وبطريقةٍ تسلمنا إلى خشوعٍ وإدراك غامض، يضعنا في جوّ سحري آسرٍ، حتّى قبل أن ندرك كنهه "فإذا بدأنا نتأمل ونعقل ونحلل، ونعكف على الكلمات، فسوف تنفتح لنا كنوزٌ من المعاني والمعارف والأفكار، تحتاج إلى مجلداتٍ لشرحها" (1).

ونظراً لاتساع موضوع اللمحات العلمية، فإننا سنكتفي بإطلالاتٍ سريعةٍ على بعض اللمحات في الكتاب الكريم، آخذين بعين الاعتبار، أن القرآن كتابُ دينٍ وعقيدة وهداية، وليس كتابَ علمٍ أو فلسفةٍ، تكفي منه اللمحة والومضة والرمز والإشارةِ، عن الجزئيات والتفاصيل.

إن من أسرار القرآن الكريم، صلاحيتَه لكل مستويات التفكير الإنساني؛ فحوى إلى جانب الآيات المبسّطة المعاني، آياتٍ عاليةَ المستوى، يجد فيها الفقيه ما يفي ويفيض عن ثقافته الدينية، كما يجد فيها المفكّرُ العالم آياتٍ تقارب العلوم التجريبية، وتُرضي نوازعَ البحث والاستقصاء في نفسه، لأن البحث والاستيعاب، وربط الحقائق وتنظيمها في إطارٍ محدّد من النظريات والقوانين، هو من سمات رجل العلم الأصيل، "لهذا عندما يقرأ المفكّرُ القرآنَ، نجده يتوقّف عند آياتٍ معيّنةٍ لها جاذبيةٌ خاصة، ومعانٍ يرى فيها علماً قائماً بذاته" (2).

إن كثيراً من الآيات القرآنية تحتوي على تلميحاتٍ فيها عمومياتٌ تتيح للقارئ حريةَ التأمّل والتفكير، وهذا ما يؤكّد أن القرآن ليس كتابَ نظرياتٍ علمية، ولا يجوز ربطُ ما ورد فيه من الإشارات العلمية، بالكشوفات العلمية، كأن "نفصّل لبعض الآيات أثواباً من الاختراعات الحديثة" حتّى ندلّل فيها سعظمة القرآن، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية التي سبقت زمن الاكتشافات، والمعطيات العلمية المعاصرة.

لقد حضّ القرآن على العلم والمعرفة التي تؤدّي إلى الإيمان، الذي تتفاوت درجته بتفاوت درجة المعرفة: (إنما يخشى الله من عباده العلماءُ (. (فاطر ـ 28).

وكلٌّ من الإيمان والمعرفة، لا يتأتَّيان إلا بالنظر إلى جلال الخالق من خلال مخلوقاته ـ حيةً وميتةً ـ فالذي يدقّق بإمعانٍ أكثر، هو الذي يرى ويدرك بصورةٍ أدقّ وأعمق، ومن ثمّ فهو الذي يحظى بمرتبةٍ عاليةٍ من العبادة، لارتكازه على التفكير العلمي وليس على مجرّد الدعاء والتسبيح فحسب.

لقد ألحتِ الآيات العديدة على ضرورة التفكّر والتدبّر: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ويتفكّرون في خلق السموات والأرض (. (آل عمران ـ 191) لذا كان التفكير في صنع الله ـ إضافة إلى أنه عبادة ـ دعوةً لإعمال العقل، بغية الاستفادة من بديع صنع الخالق، والاشتغالِ بالبحث العلمي الذي يُمكّن من إدراك كنهِ بعض الأسرار الرائعة، التي يتوصّل إليها رجل العلم، قبل المتفقّه في الدين "ومن هنا قد يتجلّى لرجل العلم المغزى العظيم عندما يقرأ بإمعان (ربنا ما خلقت هذا باطلاً. سبحانك (. (آل عمران ـ 191) ومعنى الباطل: هو كل شيء لا يقوم على أساسٍ، ونحن لا نعرف عن طريق العلم التجريبي شيئاً في الكون قد قام على غير أساسٍ، من أول الذرة إلى السموات .. فلكل قوانينها العظيمة المتقنة، التي تاهت في أسرارها أعظم العقول" "لو كنتم تعلمون" (3).

إن القرآن الكريم رسالةُ السماء الأخيرة إلى الأرض، ارتضت أن يكون الإسلام دين الحياة، لا ينفصل عنها، ولا يتصادم معها، وإنما يتفاعل بها، ويحتضن كل جديدٍ، ما دامت غايته إصلاح البشرية، وسعادتها في ظلّ المبادئ والقيم التي ارتضاها خالق الخلق لتسيير الكون.

ولقد اقتضت الحكمة الإلهية ألا تتكشّف حقائقُ الوجود للناس دفعةً واحدةً، وإنما على مراحل. ممّا يوجب على الباحث التدقيق في كتاب الله المسطور، وكتابه المنظور. لأن من يظن أنه قد وصل إلى الحقيقة، لابدّ له من عرضها على ما جاء في كتاب الله .. فأهل اللغة يعلمون جيداً مقدارَ ما تحمله اللفظة، أو العبارة من أوجهٍ، وعلى ذلك قيل: إن معظم نصوص القرآن الكريم (ظنية الدلالة) تحتمل أكثر من معنى وإن كان قطعي الثبوت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير