تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[شبهة مراجعة ابن عباس لأهل الكتاب .. مقال لمحمد هادي معرفة]

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[30 Jul 2005, 08:21 ص]ـ

هل كان ابن عباس يراجع أهل الكتاب في فهم معاني القرآن؟

سؤال أجيب عليه بصورتين: إحداهما مبالغ فيها، والأخرى معتدلة إلى حد ما، كانت مراجعته لأهل الكتاب ـ كمراجعة سائر الأصحاب ـ في دائرة ضيقة النطاق، في أمور لم يتعرض لها القرآن، ولا جاءت في بيان النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم تَعُد حاجة ملحة إلى معرفتها، ولا فائدة كبيرة في العلم بها كعدد أصحاب الكهف، والبعض الذي ضرب به موسى من البقرة، ومقدار سفينة نوح، وما كان خشبها، واسم الغلام الذي قتله الخضر، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، ونحو ذلك مما لا طريق إلى معرفة الصحيح منه. فهذا يجوز أخذه من أهل الكتاب، والتحدث عنهم ولا حرج، كما ورد ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج))، المحمول على مثل هذه الأمور.

قال ابن تيمية: وفي بعض الأحيان يُنقل عنهم (عن بعض الصحابة مثل ابن مسعود وابن عباس وكثير من التابعين) ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((بلغوا عني ولو آيةً، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)). رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص، ولهذا كان عبدالله بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما، بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك. ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية إنما تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها من الأمور المسكوت عنها، ولم نعلم صدقها ولا كذبها مما بأيدينا، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني، وقد أبهمه الله في القرآن، لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم.

ووافقه على هذا الرأي الأستاذ الذهبي، قال: كان ابن عباس يرجع إلى أهل الكتاب ويأخذ عنهم، بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل، في كثير من المواضع التي أُجملت في القرآن وفُصلت في كتب العهدين. ولكن في دائرة محدودة ضيقة، تتفق مع القرآن وتشهد له. أما ما عدا ذلك مما يتنافى مع القرآن ولا يتفق مع الشريعة، فكان لا يقبله ولا يأخذ به.

قال: فابن عباس وغيره من الصحابة، كانوا يسألون علماء اليهود الذين اعتنقوا الإسلام فيما لا يمس العقيدة أو يتصل بأصول الدين وفروعه، كبعض القصص والأخبار الماضية.

قال: وبهذا المسلك يكون الصحابة قد جمعوا بين قوله صلى الله عليه وسلم: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) وقوله: ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم)). فإن الأول محمول على ما وقع فيهم من الحوادث والأخبار، لما فيها من العظة والاعتبار، بدليل قوله بعد ذلك: ((فإن فيهم أعاجيب)). والثاني محمول على ما إذا كان المخبر به من قبلهم كان المخبر به من قبلهم محتملاً، ولم يقم دليل على صدقه ولا على كذبه. قال: كما أفاده ابن حجر، ونبه عليه الشافعي.

وأما المستشرقون فقد ذهبوا في ذلك مذاهب بعيدة، بالغوا فيها إلى حد ترفضه شريعة النقد والتمحيص. يقول العلامة المستشرق إجنتس جولد تسهير:

((وترى الرواية الإسلامية أن ابن عباس تلقى بنفسه ـ في اتصاله الوثيق بالرسول ـ وجوه التفسير التي يوثق بها وحدها. وقد أغفلت هذه الرواية بسهولة ـ كما في أحوال أخرى مشابهة ـ أن ابن عباس عند وفاة الرسول كان أقصى ما بلغ من السن (10 ـ 13) سنة)).

((وأجدر من ذلك بالتصديق، الأخبار التي تفيد أن ابن عباس كان لا يرى غضاضةً أن يرجع، في الأحوال التي يخامره فيها الشك، إلى مَن يرجو عنده علمها. وكثيراً ما ذُكر أنه كان يرجع ـ كتابةً ـ في تفسير معاني الألفاظ إلى مَن يُدعى (أبا الجلد) والظاهر أنه (غيلان بن فروة الأزدي) الذي كان يُثنى عليه بأنه قرأ الكتب)).

((وكثيراً ما نجد بين مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس، اليهوديين اللذين اعتنقا الإسلام: كعب الأحبار، وعبدالله بن سلام، كما نجد أهل الكتاب على وجه العموم، أي رجالاً من طوائف ورد التحذير من أخبارها ـ عدا ذلك ـ في أقوال تنسب إلى ابن عباس نفسه. ومن الحق أن اعتناقهم للإسلام قد سما بهم على مظنة الكذب، ورفعهم إلى مرتبة مصادر العلم التي لا تثير ارتياباً)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير