تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المقاصد والمناورة العلمانية]

ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[25 Feb 2006, 07:12 ص]ـ

المدخل المقاصدي والمناورة العلمانية

د. أحمد إدريس الطعان

كلية الشريعة – جامعة دمشق

بريد إلكتروني: [email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

تتناول هذه الدراسة إحدى القضايا ذات الأهمية الخاصة التي يحاول الخطاب العلماني أن يتسلل من خلالها لفرقعة الثوابت الإسلامية، متقنعاً بثوبٍ إسلاميٍ يمكِّنه من ذر الرماد في العيون، إنه مبدأ المقاصد ذلك المبدأ الذي اتفق المسلمون على أنه مبدأ أساسيٌّ في فهم الشريعة واستنباط الأحكام من نصوصها، فالشريعة بالاتفاق جاءت لتحقيق مقاصد سامية في حياة الإنسان والمجتمع والأمة، ولكن مقاصد من؟!

هل هي مقاصد الله عز وجل وعلى صعيد الدارين الدنيا والآخرة؟ أم مقاصد الإنسان الغارق في دنيويته المحضة، ويريد تطويع كل شيء لخدمة هذه الدنيوية؟

وكيف نصل إلى هذه المقاصد؟

هل يتم ذلك عبر القراءة المتدبرة للنص والتي تريد معرفة مراد الخالق عز وجل منه؟ أم عبر القراءة المستَلبَة للواقع والمصلحة، والتي لا تقبل من النص أي قولٍ خلاف ذلك، فإن أراد النص أن يُقوِّم مرادات الإنسان وأهواءَه، ويُهذِّب واقعَه وسلوكَه فإن النص يُلوى عنقه عبر ذريعة المقاصد، ويُحرَّف مضمونه عبر وسائل القراءة كـ الهرطقة أعني الهرمينوطيقا ([1]) لكي يستجيب لما تمليه عليه إرادة القارئ.

وقد اعتمدت في هذا البحث على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني وحرصت على أن أترك النصوص هي التي تتكلم، وأن يكون منهجي هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي الاستنتاجي حتى لا أُتهم بالتجني والتحامل.

وها هنا ملاحظة مهمة أود أن ألفت النظر إليها لعلها تجنبني الكثير من النقد وسوء الفهم وهي أنني في هذه الدراسة لم أتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين، وإنما تعاملت معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة، ولذلك تجنبت ذكر الأسماء غالباً في متن الدراسة، وأحلت إليها في الهوامش، ولذلك أيضاً كنت أنتقل من نص إلى نص دون اعتبار لقائله ما دام يتكامل مع غيره في داخل السياج الأيديولوجي العلماني.

لقد أراد البحث إذن أن يكشف عن الوحدة المتخفية وراء التنوع والاختلاف في المنظومة العلمانية، وأن يصل إلى الجذور الكامنة وراء الأغصان والفروع، فالتيارات والمدارس العلمانية الليبرالية والماركسية والحداثية والعدمية على الرغم من اختلافها إلا أنها تتفق إلى حد كبير كلما حاولنا الحفر في الأعماق للوصول إلى الجذور المادية والدنيوية التي تغذيها، ويكون الاتفاق أكثر وضوحاً حين يتعلق الأمر بالدراسات الإسلامية عموماً، وذلك بسبب التضاد المطلق بين هدف الرسالة الإسلامية وهدف العلمانية عموماً في التعامل مع أسئلة الإنسان الكبرى وقضاياه المصيرية.

أما ما يبدو في البحث على أنه نزعة عدوانية متشنجة- كما أشار بعض قراء البحث - تجاه الخطاب المدروس فيمكن أن يفهم على أنه صراحة شديدة لم تستطع التقنع بالدبلوماسية البحثية، كما أنها لم توفر جهداً في عرض النصوص مهما كانت صادمة وذلك لفضح التنكر والمناورة.

وقد جاءت هذه الدراسة في مبحثين وخاتمة:

المبحث الأول: القضية المقاصدية كما يتداولها الخطاب العلماني.

المبحث الثاني: مراجعة نقدية.

الخاتمة: النتائج.

المبحث الأول

القضية المقاصدية كما يتداولها الخطاب العلماني العربي

أولاً - كلمات حق يراد بها باطل:

يتداول العلمانيون في خطابهم مفاهيم متعددة مثل: المقاصد ([2]) والمصالح ([3]) والمغزى والجوهر والروح ([4]) والضمير الحديث ([5]) والضمير الإسلامي والوجدان الحديث ([6]) والمنهج ([7]) والرحمة ([8]).

وهي كلمات حق يراد بها باطل لأن بينها مفاهيم إسلامية يراد بها استئناس الضمير الإسلامي، مثلها مثل الكلمات التبجيلية التي يتداولها العلمانيون أثناء الحديث عن القرآن الكريم تمهيداً لإقصائه عن الحياة والتشريع وذلك كقولهم:

- "" القرآن كتاب هداية وبشرى، يقول كل شيء ولا يقول شيئاً "" ([9]).

- القرآن كتاب هداية وإقحامه في كل أمورنا الحياتية ليست من تخصصه إنه ليس كتاباً في الطب والفيزياء ([10]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير