[بيان حقائق و دحض مزاعم في مسألة رضاع الكبير]
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[26 May 2007, 11:09 ص]ـ
رضاع الكبير
ثارت من جديد في مصر و في غير مصر مسألة رضاع الكبير – ليس من ناحية اعتباره أو عدم اعتباره في ثبوت المحرمية – و لكن من ناحية التشكيك في وقوعه، و في صحة حديثه، و كذا من ناحية تشكيك المبطلين الكارهين في صحة الشرع الحنيف.
و قد اطلعت في ملتقانا المثمر هذا على مشاركات و ردود على تلك الأباطيل لإخوة كرام؛ مثل مشاركة (رضاع الكبير) للأخ أبي أحمد عبد المقصود و غيره:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=8511&highlight=%D1%D6%C7%DA+%C7%E1%DF%C8%ED%D1
و قد أحببت أن أفرد كلامي الآتي بعد بمشاركة مستقلة تنصب على بيان جزئية أساسية في المسألة؛ لكشف الشبهة المثارة في كيفية ذلك الرضاع، و أسأل الله تعالى التوفيق و العون و الأجر بفضله العظيم.
* * *
حديث رضاع الكبير حديث صحيح لا مطعن فيه، و ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم - رواه الإمام مسلم في " صحيحه "
من حديث الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها:
(َأنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " َأرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ "، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَة).
و سالم هذا كان قد تبناه صغيرا أبو حذيفة (قبل تحريم التبني)؛ فكان يعامل معاملة الابن من النسب من حيث دخوله و اختلاطه بأهل البيت كواحد منهم؛ فلما كبر و بلغ سألت سهيلة رسول الله صلى الله عليه و سلم عما استشعرته من الحرج و الضيق؛ فأشار عليها بإرضاعه من لبنها؛ كي تصير أمه من الرضاع؛ فتكون بمنزلة أمه من النسب؛ ففعلت.
و لا تعارض و لا إشكال في الحديث؛ إذ الرضاع هنا كان بشرب اللبن المحلوب في كوب أو إناء، و لم يكن بمصّ الثدي بحال من الأحوال،
و هذا بدهي؛ إذ لا يحل للرجل مس ثدي المرأة الأجنبية عنه (أي غير زوجته) و لو كانت أخته - أو أمه - من النسب أو من الرضاع؛ فلا يحل له ذلك منها قبل ان تكون أختا له من الرضاع من باب أولى.
و لم يقل باشتراط التقام الثدي في الرضاع المعتبر - سواء في الصغر أو الكبر، و الذي تثبت به حرمة النكاح بعد - إلا الظاهرية فقط، و خالفهم في هذا أئمة المذاهب الفقهية الأربعة، إذ اعتبروا وصول اللبن إلى الحلق بأي طريق كان (مثل صب اللبن في الفم من غير التقام الثدي، و شربه) رضاعا.
فالظاهرية لا يعدّون وصول لبن المرأة - إلى جوف المرتضع - بغير التقام الثدي و مصه رضاعا معتبرا شرعا يثبت به التحريم؛
فلا يعدّون شرب لبن المرأة المحلوب في كوب أو إناء (الوجور و اللدود) رضاعا تثبت به حرمة النكاح و حل الخلوة بضوابطها - و هذا عندهم يشمل الصغير و الكبير،
و رتبوا على أصلهم هذا: لزوم التقام الثدي في تفسيرهم لرضاع الكبير. و هو تفسير فاسد عقلا و نقلا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخبط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ".
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. [مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي]
و (المسّ) هو اللمس باليد و بغير اليد، و لا يصرف عن حقيقته إلا بصارف من قرينة و سياق كلام؛ لأن الأصل في الكلام: الحقيقة لا المجاز.
و عليه: فلا يحل للرجل أن يمس بدن امرأة أجنبية عنه - غير زوجته - و لو كانت أخته من الرضاع؛ قلا يحل له ذلك منها قبل ان تكون أختا له من الرضاع بطريق الأولى
و إذا كان هذا في البدن عامة فهو أشد حرمة في الثدي خاصة من باب الأولى و الأغلظ؛ لأنه عورة.
و عليه: فرضاع الكبير - المعتبر في تحريم النكاح و غيره - يكون بشربه اللبن المحلوب من المرأة في كوب أو إناء، و ليس بمص الثدي بحال.
و هذا مذهب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في اعتبار رضاع الكبير، و هو مذهب لا يجوز إنكاره أو إهماله.
نعم: مذهب الجمهور بخلافه، و هذا الخلاف موجود و معتبر في كثير غير ذلك
و لم تقله و تأخذ به عائشة رضي الله عنها وحدها - كما يشاع - بل أخذت به أيضا أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها و روي عنها بإسناد صحيح؛ ذكرهذا الحافظ ابن حجر في " الفتح "، و قال إنه تخصيص لعموم حديث أم سلمة رضي الله عنها إن سائر أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أبين الأخذ بمذهب عائشة (رضي الله عنه).
و عليه: فلم تصح دعوى تخصيص رضاع الكبير بسالم.
و مما يؤيد أن ذلك الرضاع للكبير إنما كان بشرب اللبن المحلوب: ما رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى "؛ قال:
(أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال: كان يحلب في مسعط أو إناء قدر رضعة فيشربه سالم كل يوم، خمسة أيام. وكان بعد يدخل عليها وهو حاسر. رخصة من رسول الله لسهلة بنت سهيل. (أهـ
* * * و أيا كان القول في اعتبار رضاع الكبير أو عدمه لكونه رخصة خاصة؛ فالمهم في المسألة هنا: أن رضاع الكبير لم و لا يكون بمص الثدي بحال؛ مما يرتب عليه المبطلون عدم صحة الحديث الموجود في الصحيحين أو عدم صحة الشرع الحنيف - و هذا و ذاك باطل و بهتان
خاب خطاهم، و ضل مسعاهم، و ردّ الله كيدهم في نحورهم.
كتبه
د. أبو بكر خليل
¥