فرضيّةُ (الشعوب الساميّة، واللغات الساميّة) فرضيّةٌ خرافيةٌ لا أصل لها
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[12 Aug 2005, 02:10 م]ـ
للدكتور / عودة الله منيع القيسي.
توطئة
قد تستغرب، أخي القارئ، عندما يقال، إن فرضيّة الشعوب الساميّة، واللغات الساميّة .. فرضيّة خرافية لا أصل لها! وأنت معذور في هذا الاستغراب، لأنك تسمع هذا الإنكار لوجودها، لأول مرّة. ولكنها الحقيقة كما يتبين لك، من خلال هذا البحث!
وأنت تذكر أن المعتصم –الخليفة العباسي- قرّر أن ينتقم لشرف امرأة مسلمة، رفع علج من عُلوج الروم ثوبها عن جسَدها، فقالت: وامعتصماه! امستغيثةً بالمعتصم، وقد استدعى المعتصم المنجمين، ليروا: متى يستطيع أن يفتح عمّوريّة- بلد ذلك العلج؟ فقالوا: لن تفتح قبل نضج التين والعنب!
بَيْدَ أن المعتصم ضرب بكلامهم عُرْض الحائط، فأعدّ جيشاً وتوجّه لعمورية في سنة ثلاث وعشرين ومئتين للهجرة، ففتحها، وحرّقها، وسجّل هذه الواقعة العظيمة الشاعر العباسيّ العظيم –أبو تمام في قصيدته البائية المشهورة، ثم .. عرّج على المنجمين، فسخر من علمهم، فقال:
أين الروايةُ، بل أين النجومُ وما **صاغوه من زُخرفٍ فيها ومن كَذِبِ؟
تَخَرُّصاً، وأحاديثاً مُلفّقةً**ليست بَنَبْعٍ، إذا عُدّتْ، ولا غَرَب
وأنا أقول كما قال أبو تمام: إن ما زعمه العلماء الغربيون المهتمون بالبلاد العربية وباللغات "العربية" هو كتنبؤ المنجمين للمعتصم. ليس إلا "تخَرُّصاً وأحاديثاً ملفقة"، حقيقة لا يمكن دَحْضها.
كيف تكشّفتْ لي هذه الحقيقة ومتى؟
قبل أربعة أشهر تقريباً كنت أُعِدُّ لموضوع طرقه بعض لغويينا القُدامى، وهو أن العربية "الفصحى" إلهامية، وليست اصطلاحية، بيدَ أنهم اكتفوْا بإحساسهم أن الفصحى لغة عظيمة لا يمكن أن تكون من صُنع البشر. وأنا- بعد اطلاعي على كثير من قواعد العربية، ومن قوانين فقهها- اقتنعت، معهم، أنها "إلهامية". ولكنيّ رأيت ألا أكتفي بهذه القناعة، غير مُدلّل عليها تدليلاً علميّاً، فأخذت أبحث في كتب (فقه اللغة) - إضافة إلى كتب النحو والصرف.
وفي إحدى الأمسيات كنت أقرأ في كتاب: (دراسات في فقه اللغة- للمرحوم الدكتور صبحي الصالح)، فقرأت العبارة الآتية: (والتسمية .. لم تخترع اختراعاً، فهي مقتبسة من الكتاب المقدس الذي ورد فيه أن أبناء –نوح- هم سامٌ وحامٌ ويافتُ، وأنه من سُلالتهم تكونت القبائل والشعوب ([1]). [ويقصد بالتسمية تسمية شعوب هذه المنطقة (أي: الجزيرة العربية، والعراق، وسوريا الكبرى) "بالشعوب الساميّة" ولغاتها "باللغات الساميّة"!!
فطرقت عقلي .. "فكرةٌ": هبْ معي ([2]) أن هذا القول لم يرد إلا في التوراة .. أنصدقه ونأخذ به ونعتمده؟ والتوراة .. غير موثوقة عندنا، لأن رسولنا - صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولاتكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله، وما أنزل" ([3]). أيْ: ما أنزل من التوراة والإنجيل، قبل التحريف، وما أنزل من القرآن الكريم الذي حفظه الله تعالى من التحريف.
والتوراة .. غير موثوقة لثلاثة اعتبارات: الأول: ما ورد في القرآن مثل قوله: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون" (البقرة: 79).
والثاني: قول رسولنا الأعظم .. السابق.
والثالث: أن التوراة غير موثقة ([4]) أولاً: لما ذكر القرآن من تحريفها. وثانياً: لأنها لم تكتب إلا بعد وفاة موسى –عليه السلام- بسبعة قرون! (لاحظ .. أن الحديث النبوي الشريف كُتب جُلّه، بعد وفاة رسولنا - صلى الله عليه وسلم- بقرن إلى قرنين .. ومع ذلك .. فقد جمع البخاري –رضي الله عنه- مئة ألف حديث، ولكنه لم يُثبت منها في (صحيحه) إلا ستة آلاف حديث ونيّفاً، أي: لم يثبت إلا ستة بالمئة مما جمع (6%). فكيف بكلام لم يُدَوّن إلا بعد سبع مئة سنة؟).
هذا .. فضلاً عن أن الحديث "مُوَثّق" بسلسلة رواة، والتوراة ليس لها سلسلة رواة! ومع هذا .. فلا يزال نقاد الحديث يجدون بعض الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة، في كتب الحديث .. إما لضعف في سلسلة الرواة، وإما لأن متن الحديث .. فيه قولان.
¥