تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحمد زكي اليماني والنصّ القرآني

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Apr 2006, 03:10 م]ـ

مقال منقول للدكتور رضوان السيد - أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية

لا أعرف للشيخ أحمد زكي اليماني دراساتٍ في القرآن الكريم، نصاً أو تاريخاً. فقد كان الرجل كما هو معروف وزيراً للبترول بالمملكة العربية السعودية لمدةٍ طويلة، ثم عندما خرج من الوزارة انصرف لإدارة ثروته الكبيرة، وأظهر اهتماماً محموداً بالشؤون الثقافية والعامة؛ فأنشأ مؤسسة الفُرقان بلندن، ودعم كراسيَ وبرامجَ للدراسات العربية والإسلامية ببعض الجامعات الغربية. وقد استمعتُ في التسعينيات لمحاضرتين له عن الإسلام والديمقراطية، كما قرآْتُ مداخلاتٍ له في بعض المؤتمرات عن تطورات أسواق النفط والمال، والسياسات الغربية– والأميركية على الخصوص– تجاه المنطقة العربية، والعالم الإسلامي. وما استمعتُ إليه منه أو قرأتُهُ له في الشأن السياسي والاقتصادي ينمُّ عن معرفةٍ واطّلاعٍ لا بأسَ بهما، وهما غير مستغرَبين من رجلٍ يُعايشُ الشأن العامّ، ويشارك في الرأي أو القرار السياسي والاقتصادي منذ أكثر من أربعة عقود. أما ثقافتُهُ العربيةُ والإسلامية- وحكمي يستند دائماً إلى القليل الذي سمعتُهُ منه أو قرأتُهُ له– فليست عميقةً ولا تنمُّ عن اطّلاعٍ واسعٍ يسمحُ ببلوغ درجة "الاجتهاد" في التفسير الآخَر للتاريخ الإسلامي، أو تأويل النصوص، واستنباط الأحكام. وقد كنتُ أعجبُ- وما أزال- ولديه كما لدى آخرين كثيرين من رجال الشأن العامّ العرب، ممن يملكون دعوى ثقافية- لضآلة معرفتهم باللغة العربية، وكثرة أخطائهم في قراءة نصوصِها، والتحدث بفُصحاها، وأهوال سقطاتهم في نحوها وصرفها وبلاغتها؛ فكيف يستطيعون قراءة النصوص القديمة، والوصول إلى تأويلاتٍ جديدةٍ فيها؟

وعلى أي حال، فإنّ تنويرية الشيخ اليماني، وتأويلياته الإسلامية ما خرجتْ في ما سمعتُ وقرأتُ عن حدود التفاصُح والدعوى، وإشعار السامعين أو القارئين، أنه صاحبُ رأيٍ ومذهب في الشأن الثقافي العربي والإسلامي، ودليلُهُ على ذلك أنه تولّى الوزارة، وجمع ثروةً طائلة؛ فمن حقّه على العرب والعجم (أعني الغربيين) أن يؤمنوا بتفوُّقه في المجالين الثقافي والديني، كما برز وتفوق في المجالين الإداري والمالي! وما كان ذلك مزعجاً لي، بعد أن خبرتُ الأَمْرَ نفَسَهُ لدى العديدين من الأثرياء العرب، الذين يُبْعَدُون عن العمل العامّ المباشر، وقد كانوا فيه ملكَ السمع والبصر، فيستعيضون عنه أو يحاولون، ببدائع السَمَر، و"الكشوف" العلمية والتاريخية الشديدة الهَول والإغراب.

قدّمْتُ بهذه المقدّمة الطويلة، لأقول، إنني كنتُ مخطئاً تماماً، في التسامُح إزاءَ شطحات أثريائنا الثقافية والدينية؛ حتى وإن كانوا متميزين في مجال تخصصهم واهتماماتهم الأصلية، مثلما هو الحال مع الشيخ أحمد زكي اليماني. فقد ذهب الرجل في مقالةٍ كتبها [ ... ] – بين أمورٍ كثيرة- إلى أنّه اكتشف في المكتبة"السرية" للفاتيكان (نعم: السرية أو الخاصة جداً!) صحفاً أو رقوقاً تتضمن آياتٍ من القرآن، ليست في المصحف الإمام الذي أمر بجمعه أمير المؤمنين عثمان (والشيخ اليماني يتحدث عن جمع أبي بكر). وقد قدّر الشيخ اليماني، ويا لَهول ما قَدَر (!) أنّ تلك الصحف احتفظ بها سراً خارجَ المصحف بعض أُمراء بني أمية، وأورثوها لعبد الرحمن الداخل، الذي ذهب بها معه إلى الأندلس ومن هناك وصلت في القرون التالية إلى الفاتيكان!

لا أُريد في هذا المعرض، مناقشة المسائل الأُخرى التي ذكرها اليماني عن علاقته بالبابا الأسبق، وكيف صحَّح له فهمه لأكل التمر، وصلة ذلك بالرُطَب الذي تساقط على السيدة مريم أثناء الولادة ... الخ. فذلك كلُّه يدخل في باب التعاظُم لدى أثريائنا الأجلاّء ... ومن قصُر باعه وذراعه يصلُهُ "بشرطوطة" (قطعة قماش)، كما يقول الريفيون اللبنانيون! أمّا مسألةُ القرآن، فلا يجوزُ السكوتُ عليها، لا بسبب فظاعتها من الناحية الدينية وحسْب؛ بل ولأنها غاصّةٌ بالأخطاء والخطايا التاريخية والعقلية، ولا يصلُ إلى درْكَها إلاّ من ترك عقله وراءه ظهرياً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير