[مناظرات دينية بين مسلمين وأهل الكتاب]
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[20 Dec 2005, 08:23 م]ـ
هذه سلسلة من الناظرات وقفت عليها في مصادر تراثية مختلفة فارتأيت أن أجمعها هنا كي يرجع إليها كل من شاء الاطلاع على مستوى الحوار الجدلي الذي كان سائدا بين المسلمين وأهل الكتاب. وإليكم النصوص وهي تدور حول مسائل شتى لا زالت تثار إلى يومنا بين كلا الطرفين.
[1] مناظرة بين فقيه ونصراني
قال التوزري: [[قدم بعض الفقهاء ممن قدم لتوزر من مصر, قال: حضرت سماعا بمصر وحضره والي البلد وأميرها, وكان مع الأمير نصراني يخدمه, فقال النصراني: يا مولاي أريد أن أناظر رجلا من أعيان هؤلاء الفقهاء وأعلمهم في هذا الموكب العظيم, فإن غلبني أعطيته ثلاثمائة دينار, وإن غلبته دخل في ديني.
فذكر الوالي ذلك لمن حضر.
فخرج له رجل من الفقهاء وقال: أنا أناظرك فيما تريد, فقل ما تشاء.
فقال له النصراني: إنكم تقولون خزائن الله لا تنفذ أبدا, فأريد منك أن تذكر لي مثالا يقرب لي الفهم والمثال, ويزيل عني الإشكال, وأدركه بحسي.
فقال له الفقيه: نعم, هذه مسألةٌ الصبيانُ يغلبون بها عندنا, وقام إلى وسط المسجد وأوقد شمعة بين يدي الوالي ثم قال:" ناد أيها الأمير على من في هذه المدينة كل يوقد شمعته من هذه الشمعة, وإن لم يكفهم فأنا أغرم لهم, وكذلك خزائن الملك تكفي جميع الخلائق ولا ينقص منها شيء, وخزائن الله كل الخلائق تأخذ منها ولا ينقصها شيء".
قال النصراني: وقولكم في الجنة شجرة تظل أهل الجنة كلهم, وما في الجنة بيت إلا دخله غصن منها, فأريد أن تريني مثالا في هذا المعنى, كيف يكون؟
فقال الفقيه:" نعم, ألم تر إلى الشمس إذا طلعت وعلت, تدور على الأرض كلها, ولا يبقى بيت ولا محل إلا وتدخله".
فقال النصراني: إنكم تقولون إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون, فأرني مثالا من ذلك في عالمنا.
فقال الفقيه: نعم, ألم تر إلى الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط ولا يتبول.
ثم قال له الفقيه: أيها النصراني إنكم تقولون إن الجنة لكم, وإذا كانت كذلك فهي داركم, وكل من له دار فهو عارف بأوصافها, فأريد أن تُعَرفني بما هو مكتوب على باب الجنة.
فأمسك النصراني وانقطع, ولم يجد جوابا, فلما انقطع قال له الفقيه:" أما عليها مكتوب لاإله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) , وطالبه بالدخول في دين الإسلام, فلم يزل النصراني يرغب حتى افتدى بمال كثير.]]
نقلا عن كتاب: التُرجُمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا. تأليف أبي القاسم الزَّيَانِي [المغربي] (1147 - 1249هـ/ 1734 - 1809م). صفحات 524 - 525.
[2] مناظرات واصل الدمشقي مع بشير البطريق والنصارى
أُسِرَ غلام من بني بطارقة الروم فلما صاروا إلى دار الإسلام وقع إلى الخليفة, وذلك في ولاية بني أمية, فسماه بشيرا, وأمر به الكُتاب, فكتب وقرأ القرآن وروى الشعر وقاس وطلب الأحاديث وحج. فلما بلغ واجتمع هرب مرتدا من الإسلام إلى أرض الروم. فأتي به الملك فسأله عن حاله, وما كان فيه, وما الذي دعاه إلى الدخول في النصرانية؟ فأخبره برغبته فيه. فعظم في عين الملك, فرَأَّسه وصيَّره بطريقا من بطارقته وأقطعه قرى كثيرة.
ثم أُسِرَ ثلاثون رجلا من المسلمين, فلما دخلوا على بشير, سائلهم رجلا رجلا عن دينهم, وكان فيهم شيخ من أهل دمشق يقال له واصل, فسأله بشير, فأبى الشيخ أن يرد عليه شيئا, فقال بشير ما لك لا تجيبني؟
قال الشيخ: لست أجيبك اليوم بشيء.
قال بشير للشيخ: إني سائلك غدا فأعدَّ جوابا, وأمره بالانصراف.
فلما كان من الغد بعث بشير, فأُدخِلَ الشيخ إليه, فقال بشير: الحمد لله الذي كان قبل أن يكون شيء, وخلق سبع سماوات طباقا بلا عون كان معه من خاقه, فعجبا لكم معاشر العرب حين تقولون: (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [سورة آل عمران, الآية 59].
فسكت الشيخ, فقال له بشير: ما لك لا تجيبني؟
فقال: كيف أجيبك وأنا أسير في يدك, فإن أجبتك بما تهوى أسخطتُ عليَّ ربي, وهلكت في ديني, وإن أجبتك بما لا تهوى خفت على نفسي؟
فأعطني عهد الله وميثاقه وما أخذ النبيون على الأمم أنك لا تغدر بي ولا تمحل بي ولا تبغ بي باغية سوء, وأنك إذا سمعت الحق تنقاد له.
¥